fbpx
تجربتي المتواضعة في الترجمة بين سقطرى وحضرموت

علي صالح الخلاقي

ليست الترجمة تخصصي ولكنني وجدت نفسي مدفوعا إليها في السنوات الأخيرة من دراستي للماجستير في الصحافة الدولية، وكان الباعث لذلك حُبّي لجزيرة سقطرى الساحرة التي أعرفها جيدا وزرتها عدة مرات خلال عملي الإعلامي في برنامج (جيش الشعب) الإذاعي والتلفزيوني منذ 1979 وحتى 1986م، وبدأت معها تجربتي في الترجمة عن اللغة الروسية، بترجمة أول كتاب عنها، ولهذا لا غرابة أن أطلق علي صديقي وزميلي د.هشام السقاف اسم (علي السقطري) حين انشغلت معظم وقتي في إحدى الرحلات السياحية، بترجمة أول كتاب عن سقطرى، على حساب الاستمتاع ببرنامج تلك الرحلة…. وقد لخصت تجربتي المتواضعة في الترجمة في تقديمي لآخر كتاب ترجمته وهو (السقطريون… دراسات إثنوغرافية تاريخية) الذي صدر هذا العام عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر .. وأوردها فيما يلي:
يعود اهتمامي بجزيرة سقطرى إلى أواخر عام 1979م, حينما وطأتها قدماي لأول مرة, واتيحت لي فرصة التعرف عليها. وأتذكر أنني نشرت عنها موضوعاً في صحيفة “14أكتوبر” الصادر في 1 يناير 1980م بعنوان رئيسي “تعالوا نقرأ معاً صفحات جزيرة العطور والبخور والسمك” ثم عنوان فرعي آخر “سقطرى..من شجرة دم الأخوين إلى آمال الجزيرة السياحية”. ثم تكررت زياراتي لها بعد ذلك عدة مرات أثناء عملي الإعلامي في إعداد وتقديم برنامج (جيش الشعب) الإذاعي والتلفزيوني حتى منتصف الثمانينات. وقد أسرتني منذ الوهلة الأولى بطبيعتها الساحرة ومناظرها الخلابة.. ونقاوة وصفاء سكانها ونبل أخلاقهم, وهو ما جعلني مشدوداً إليها ومتابعاً لما يُكتب أو يُنشر عنها.
وفي أثناء دراستي الجامعية في موسكو, وبعد تمكُّني من اللغة الروسية, كنت شغوفا بالتنقيب في المكتبات الروسية عن كل ما كُتب عن بلادي بدافع معرفة ما يقوله الآخرون عنها, فلفت انتباهي من بينها كتاب بعنوان “هناك حيث ولدت العنقاء”, لمؤلفه فيتالي ناؤمكين, وهو أول كتاب روسي عن سقطرى صدر عام 1973م وضَمَّنه المؤلف انطباعاته ومشاهداته عن زيارته الأولى للجزيرة, فقرأت الكتاب بنهم, ثم تعرفت على مؤلفه شخصيا, وأبديت له رغبتي في ترجمته إلى العربية, فرحب بذلك, وأعطاني موافقة خطية بذلك.
وقبل أن أكمل دراستي العليا كنت قد استكملت ترجمته وعرضت الترجمة العربية على المؤلف فاستحسنها. وفي إجازتي الشتوية فبراير 1994م سلمت النسخة المترجمة جاهزة للنشر للاستاذ.د.صالح علي باصرة وكان حينها نائب رئيس جامعة عدن لشئون البحث العلمي, ووعدني بنشره متزامنا مع انعقاد الندوة الدولية العلمية الأولى حول جزيرة سقطرى (الحاضر والمستقبل)..وحين جئت من موسكو للمشاركة بتلك الندوة التي عُقدت في جامعة عدن خلال الفترة من 24-28 مارس 1996م وشاركت فيها ببحثين عن الأول بعنوان “سقطرى في صفحات التاريخ” والثاني ” الثقافة الروحية للسقطريين”. فوجئت بعدم صدور الكتاب عن مركز جامعة عدن للطباعة والنشر, وعلمت من د. باصرة, رئيس الجامعة حينها أن النسخة التي سلمتها له قد فُقدت بسبب الحرب والنهب الذي تعرضت له مرافق الجامعة, وغيرها من مؤسسات الدولة في الجنوب بعد حرب صيف 94م التي ألقت بظلالها على كثير من مجاري الحياة..فتحسَّرت كثيراً لأنني لم احتفظ بنسخة مصورة, لثقتي حينها أنها ستصدر بكتاب.. فما كان مني إلا أن شرعت فوراً بترجمة الكتاب مجدداً, وقبل تسليمه للطبع احتطت في هذه المرة بحفظ نسخة مصورة. وقد نُشر الكتاب لاحقاً عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر عام 1999م.
كما وقع في يدي كتاب آخر بعنوان “إثنوغرافيا حضرموت الغربية” لمؤلفه ميخائيل روديونوف. فراقني محتواه, وأقدمت على ترجمته هو الآخر, وصدر عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر عام 2002م باسم “عادات وتقاليد حضرموت الغربية” وكان الكتاب الثاني الذي أترجمه عن الروسية. كما شاركت ببحث عن (الزواج لدى السقطريين) في الندوة الدولية العلمية الثانثة حول (الاستراتيجية التنموية لأرخبيل سقطرى والجزر اليمنية) التي عقدت في رحاب جامعة عدن خلال الفترة من 14-16 ديسمبر2003م.فضلا عما نشرته قبل وبعد ذلك من الموضوعات المترجمة من الروسية عن سقطرى في عدد من الصحف المحلية.


أما هذا الكتاب لمؤلفه فيتالي ناؤمكين فقد صدر باللغة الروسية في موسكو عام 1988م بعنوان “السقطريون- دراسات إثنوغرافية-تاريخية”. ويتميز في كونه حصيلة بحث علمي ميداني للبعثة اليمنية الروسية المشتركة خلال الأعوام 1983-1987م. وهذه البعثة كانت أول بعثة مشتركة للأبحاث الإنسانية في تاريخ العلاقات العلمية والثقافية بين الاتحاد السوفيتي والبلدان العربية. قد صدرت ترجمته الإنجليزية في لندن عام 1993م باسم (Island of the phoenix), أي “جزيرة الفينيكس( )”. وهذا ما حفزني أكثر لترجمته, فقد عزّ عليّ أن يُترجم إلى لغات أخرى ولا يستطيع القارئ العربي أن يحصل عليه بلغته الأم. فرأيت من الواجب أن أترجمه وأقدمه بصيغته العربية للقراء والمهتمين والمعنيين بهذه الجزيرة المدهشة.
وهذا هو الكتاب الثالث الذي أقوم بترجمته عن الروسية, والثاني عن سقطرى. واعترف أنه الأصعب في تجربتي المتواضعة مع الترجمة, لأنه أخذ مني وقتا وجهدا كبيرين, خاصة وأنني شرعت في ترجمته مع انشغالي في عملي الأكاديمي في جامعة عدن – كلية التربية – يافع. ومع ذلك لم تخُر عزيمتي أو تضعف همتي, وصبرت وصابرت على إكمال ترجمته. وللتدقيق بالترجمة تطلب مني الأمر السفر إلى سقطرى للتحقق من المسميات المحلية التي وردت كثيراً في فصول الكتاب بصيغتها الروسية, سواء أسماء المواضع أو البلدات والقرى والقبائل أو أسماء الحيوانات والأدوات والأثاث وغيرها مما ورد في فصول الكتاب. فمن غير المعقول أن أنشر مسميات سقطرية دون تحرٍ وتدقيق وعلى غير ما ينطقها السقطريون الذين لا أعرف لغتهم فكان عليَّ العودة إليهم لضبط هذه المسميات, خاصة حين تكون هناك عدة احتمالات لترجمة بعض الكلمات.. فعلى سبيل المثال تُنطق كلمة “دعرهُو” بالروسية “دئِرخُو” وهذا ما يبعدها كثيرا عن اسمها الحقيقي, وقس على ذلك كثيراً من الكلمات والمسميات الأخرى. ذلك أن الحاء والخاء والهاء تُنطق جميعها بالروسية بحرف واحد هو الخاء فقط.
وقد مكثت أسبوعين في سقطرى لهذا الغرض اتنقل في عاصمتها حديبو بين حوانيتها وشوارعها, وذهبت إلى ضواحي حديبو وكذا إلى جبال دكسم وعدة بلدات في محيط حديبو والتقيت بكثير من السقطريين الذي كانوا يتجاوبون معي ويلتفون حولي يسمعون مني ويصححون ما التبس لدي من مسميات.. وكنت أدونها أولاً بأول كما أسمعها من شفاههم وأقوم بتشكيلها لتُقرأ بشكلها الصحيح.
كما حرصت أيضاً أن أعود إلى المصادر العربية التي أخذ عنها المؤلف, فمن غير المنطقي أن أترجم أنا العربي عن الروسية ما اقتبسه المؤلف من مصادر المؤرخين والجغرافيين العرب أمثال: الهمداني, ياقوت الحموي, المسعودي…الخ. ولهذا عُدت إلى مظانها الأصلية واستقيت منها الاقتباسات كما وردت في الأصل العربي.
وها أنا أُسعد بتقديم هذا الكتاب النفيس عن جزيرة سقطرى التي أحببتها ولا تبارح مخيلتي ليضاف إلى المكتبة العربية ويكون في متناول القراء والمهتمين. ولا شك أنهم سيجدون فيه الكثير من المفيد النافع عن أسرار وخفايا هذه الجزيرة المدهشة.
وختاماً استميح القارئ عذراً عن أي هفوات أو أخطاء قد يجدها في الترجمة بين سطور الكتاب, فما أنا سوى بشر يصيب ويخطئ وجُلّ من لا يخطو.