fbpx
نصف مليون طفل يمني مجند .. اطفال اليمن ” يشيبون فجر كل يوم ” 
شارك الخبر

ياقع نيوز – ( تحقيق )صنعاء- نبيل سيف الكميم

 

– الرابعة عصر احد الايام القريبة , خمسة اطفال اعمارهم مابين الرابعة والسابعة , يقفون بجانب كتل خرسانية وضعت بشكل متعرج , تفصل تلك الكتل الشارع الذي تمر منه السيارات والمارة وتقع فيه البوابة الجنوبية للمدينة السياحية , على بعد اربعة امتار وضعت كتل خرسانية اخرى اغلقت بها فتحة المرور نحو البوابة من وسط الطريق الاسفلتي , الاطفال الخمسة نصبوا انفسهم في ذلك الموقع كافراد من اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثيين , اوقفوني وانا اقود سيارتي وسألوني هل لديك سلاح ! اجبت لا فسمحوا لي بالمرور!!

سؤال الاطفال لم يخرج عن سياق لعبة التقليد لما يشهدونه بالقرب من احياءهم ومنازلهم , وامساكهم بالعاب بلاستيكية على شكل اسلحة , وترديدهم لصرخة جماعة الحوثيين كان يكشف تفاصيل جديدة عن حياة اليمنيين الان والوضع الذي يعيشونة !

فالاطفال الخمسة الذي نصبوا نقطة التفتيش تلك – في المنطقة التي يقع فيها مبنى السفارة الامريكية – لا يبعد مبنى السفارة عنهم الا مسافة قصيرة جدا , كانوا لايتجاوزون برأة طفولتهم بقدر ما كشفوا ملمحا للوجه العاري للعنف والاحتراب الذي يعصف باليمن منذ اربع سنوات وكيف نجح في تمرير حضورة في ذاكرة طفولتهم !!

 

                      ( ارتياح ولكن  )

يشير ابو حمزة الى حالة الارتياح لدى سكان العاصمة صنعاء منذ ان تولى مسلحي اللجان الشعبية ضبط الاوضاع والحالة الامنية عقب دخولهم العاصمة اليمنية في 21 سبتمبر الماضي , لكنة لايخفي حسرة البحث عن اجابة لسؤال – كيف سقطت عاصمته واين ذهب الجيش والشرطة !! بسهولة وخلال ساعات كانت صنعاء على موعد اخر, هل تبخرالجيش الشرطة !!

قال لي انه يشعر بالالم والحزن حين يرى مسلحي اللجان الشعبية الحوثية يقفون امام بوابات معسكرات الجيش والامن يقومون بحراستها وتفتيش ضباط وجنود الجيش , وان ذلك فيه من المرارة والسخط مايكفي لان يحرق كل من اهان ابناء اليمن من واهان جيشة !

ويضيف قائلا: قد يكون الامر يستحق ان ينظر اليه بايجابية , كون الحوثيين وعبر لجانهم الشعبية منعوا تعرض المنشات العامة والحكومية والبنوك والوزارات لعمليات نهب وسرقة , عقب انسحاب الشرطة وقوات الامن , لكن ان يستمر هذا الامر دون ايقاف وعودة حضور الدولة واجهزتها فهو امر غير مقبول وخطير استمراره

 

( عن العزيمة)

اما مصطفى فحدثني انه استخف او شعر بالسخرية من وجود طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من العمر يقف بمحاذاة برميل علق عليه شعار الصرخة الحوثية ولافتة كتب عليها – الاجراءات الامنية لكم وليست عليكم – ويحمل سلاح رشاش – كلاشنكوف – ويقوم بمهمة الشرطة وايقاف السيارات للتفتيش ! وان عليه الوقوف عند ذلك الطفل والالتزام بالتفتيش وكأنه يقف عند حاجز للشرطة اوالجيش !!

يضيف قائلا : طوال الاسابيع الماضية منذ ان سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21سبتمبر الماضي , لم اتعرض لأي موقف شخصي قد يجعلني متحاملا على اللجان الشعبية , بل ان اولئك الفتيان والمسلحين يتعاملون مع الناس بأدب متناهي ,, لكني لم ادري مالذي دفعني الى عدم التوقف عند الحاجز ولماذا اقدمت على هذا التصرف , لاتفسير لدي !!

ويستكمل مصطفى حديثة معي قائلا  – تحدثت مع صديق لي هو احد قادة جماعة الحوثيين – ومسئول عن اللجان الشعبية عن التصرف الذي قمت به وعاتبت صديقي عن استخدامهم للاطفال للقيام بمهام الامن في العاصمة صنعاء لانهم صغار في السن والمهمة كبيرة وبقائهم في الشارع لساعات طويلة يعرضهم للاصابة بالامراض وربما لمخاطر اكبر في حال تم استهداف نقطة من النقاط المنتشرة في العاصمة صنعاء من قبل عناصر تنظيم القاعدة او من أي طرف اخر

فكان رد  صديقي – وماادراك بعزيمة اولئك المجاهدين , وماادراك بما لديهم من ارادة واندفاع لحماية الناس والبلد !!

يقول مصطفى : عدت ورجوت صديقي ان يطرح على قيادة اللجان الشعبية مسألة اعادة النظر في الاستعانة بالمسلحين الصغار للقيام بمهمة الحماية الامنية ,فكن ردة – سندرس الامر- لكني وقتها لم اشعر انه صادقا في وعده !! فحتى اليوم وعلى الرغم من مرور شهر على وعده مازال الاطفال يقومون بحماية وتامين صنعاء !!

 

( الجميع متورطون )2

– يشير الناشط الحقوقي احمد القرشي – رئيس منظمة سياج المعنية بحماية الطفولة الى تفاقم استخدام الاطفال والقصر ممن لم يبلغوا الثامنة عشر من العمر في الصراعات والنزاعات المسلحة في اليمن خلال السنوات الماضية قائلا ” تجنيد الاطفال مشكلة كبيرة وخطيرة وتتفاقم بشكل مخيف جدا , وجميع المتصارعين من اطراف النزاع السياسي متورطون بشكل مباشر في ارتكاب عمليات ممنهجة ومنظمة في تجنيدهم في القطاعات العسكرية والأمنية سواء تلك النظامية اوضمن المليشيات والجماعات المسلحة .

وقال ” للقبس” الجميع بلااستثناء ينتهكون حقوق الاطفال وتعتبر الجماعات المسلحة هي أكبر المنتهكين , حيث ينخرط القاصرون اليمنيون في الصراعات المسلحة لأداء مهام قتالية مباشرة أو لوجستية غير مدركين لعواقب ذلك وآثاره السلبية عليهم !

 

( التزام حكومي )

في مايو الماضي وقعت الحكومة اليمنية على خطة عمل مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة في البلاد وقد تعهد رئيس الوزراء انذاك محمد سالم باسندوة بتنفيذها وقال “نقف ملتزمين بالخطة التي وقعت اليوم 14مايو2012بضمان خلو القوات المسلحة من الأطفال” وتعتبر اليمن واحدة من ثماني دول تم إدراج قواتها الأمنية الوطنية على قائمة الأمين العام للامم المتحدة الخاصة بالأطراف التي تقوم بتجنيد واستخدام الأطفال. وستتم إزالة القوات اليمنية الحكومية من تلك القائمة، عند الانتهاء بنجاح والتحقق من قبل الأمم المتحدة من جميع التدابير المتفق عليها في خطة العمل

وتتضمن خطة العمل خطوات ملموسة لتسريح جميع الأطفال المرتبطين بالقوات الأمنية الحكومية، وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، والحيلولة دون إعادة تجنيدهم. وتشتمل إجراءات الخطة، إصدار ونشر أوامر عسكرية تحظر تجنيد واستخدام الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، مع التحقيق في دعاوى تجنيد واستخدام الأطفال من قبل القوات الحكومية اليمنية، وضمان وقوع المسؤولين عنها تحت طائلة المساءلة، كما تسهل الخطة للأمم المتحدة رصد التقدم المحرز والامتثال لخطة العمل

وقالت ليلى زروقي، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشئون الأطفال والنزاع المسلح، خلال حضورها حفل التوقيع، إنه “بخطة العمل هذه، يكون اليمن قد جعل التزامه بحماية أجيال المستقبل رسمياً” وأضافت: “إنها لخطوة مهمة، ولكن يبقى الكثير لنفعله لتحقيق الوعد بمستقبل أكثر إشراقاً لأطفال البلاد. إنني أعتمد على التزام الحكومة بالتحرك في كل نقطة مشار إليها في خطة العمل وأدعو المجتمع الدولي لكي لا يدخر جهداً لدعم السلطات اليمنية في مسعاها هذا. وبالنيابة عن الأمم المتحدة، أتعهد بكامل الدعم لها”

 

(القاعدة والحوثيين )

 

قبل ذلك بنحو عامين 21مايو2012 كان فتى في السادسة عشرة من العمر ينجح بمساعدة اخرين من التسلل الى صفوف المئات من الجنود الذين كانوا يقومون باداء البروفة الاخيرة لعرض عسكري كان سيقام في اليوم التالي بميدان السبعين في العاصمة صنعاء بمناسبة العيد الوطني للبلاد , تمكن الفتى هيثم الفرح الذي كان يرتدي حزاما ناسفا ويلبس الزي العسكري الخاص بقوات الامن المركزي , من الوصول الى نقطة تجمع عشرات الجنود في ساحة البروفة – وبضغطة زر فجر نفسة ليقتل قرابة 100 جندي ويصيب 250 اخرين !!

هيثم , الذي استقطبة تنظيم القاعدة , لم يكن سوى احد الاطفال اليمنيين الذين دفعوا لان تقصف زهرة اعمارهم , تحت مزاعم الدفاع عن قناعات مختلفة ومبررات دينية ومذهبية ومناطقية وحزبية وسياسية, ففي الضفة الثانية من المجرى , هناك ممن هم في عمر هيثم ممن جرى ويجري استقطابهم حتى اليوم سواء من قبل تنظيم القاعدة اومن جماعة انصار الله – الحوثيين – او من قبل احزاب ووجاهات وشخصيات اجتماعية وقبلية !

وقد اوضح تقريرقدمه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مجلس الأمن الدولي ” قيام الحوثيين وتنظيم القاعدة بتجنيد واستقطاب المئات من الاطفال للانظمام الى صفوفهم وخاصة في المناطق التي يبسطون سيطرتهم عليها ويتواجدون فيها – الحوثيون في صعدة ومحافظات الشمال والقاعدة في مختلف المحافظات وخاصة الجنوبية

ووفقا للتقريرالذي عرض على مجلس الامن الدولي في اوج حركة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح – 2012- فان جميع الاطراف السياسية اليمنية متورطة في عمليات تجنيد الاطفال حيث اكد التقرير انه “تم توثيق تجنيد واستخدام الأطفال من قبل الجيش المناصر للثورة الشبابية – الذي انشق عن نظام صالح بقيادة اللواء على محسن الاحمر – وأيضاً من قبل القوات النظامية التي يقودها أقارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح فضلاً عن تجنيدهم ضمن الميليشيات القبلية المسلحة”

وقد اورد تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسيف – صدرعام 2012 ان عدد الأطفال (أقل من 18 عاما) المجندين في الجيش اليمني يصل الى نحو 40 ألف طفل، فيما لا يعرف على وجه الدقة عددهم في الجماعات المسلحة – في حين تقدر مؤشرات احصائية لمنظمات غير حكومية – معنية بحقوق الاطفال ارتفاع هذه الاعداد الى مايقارب النصف مليون طفل واكثر !!

لكن احمد القرشي يشير في حديثة ” للقبس” انه لا توجد إحصاءات حول أعداد المجندين الاطفال ” لكنة يستدرك قائلا : ان دراسة سابقة اجرتها منظمة سياح التي يترأسها خلصت إلى أن تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين يصل إلى ما نسبته 50% مقابل 40% لمجندين أطفال يقاتلون في صفوف القبائل والجيش والجماعات الدينية المسلحة !

 

( عوامل واسباب)

يوضح احمد القرشي رئيس مؤسسة سياح لحماية الطفولة “للقبس” العوامل والاسباب التي تسهم في تغذية وتوسيع واستمرار هذه المشكلة وتفاقمها في اليمن قائلا : الثقافة القبلية الغالبة والوضع الاقتصادي المتدهور وتدني وعي أولياء الأمور وغياب التشريعات الوطنية الرادعة والفساد الإداري الذي تعرضت له المؤسسة الأمنية والعسكرية في العقود الماضية تمثل أهم أسباب تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة

ويضيف قائلا : وقد أظهرت أعمال العنف التي مارستها بعض قوى الأمن والجيش المليشيات المسلحة وخاصة عند اندلاع حركة الاحتجاجات السلمية 2011 – ضد نظام الرئيس صالح – وحتى يومنا هذا الحجم المرعب للمشكلة كونها حدثت في العاصمة صنعاء ومراكز المحافظات الكبرى (عدن, تعز, الحديدة, حجة, إب, حضرموت, ذمار,  البيضاء وغيرها من المحافظات اليمنية) حيث ظهر مئات الأطفال المجندين يؤدون مهام عسكرية مختلفة ضمن القوات الحكومية الموالية لأطراف الصراع .

 

( ضحايا وقتلة )

ويشير القرشي الى تنامي استغلال الاطفال في الصراعات والنزاعات المسلحة التي شهدتها اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية قائلا : على الرغم من توقيع اليمن على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تجرم تجنيد الاطفال اوالدفع بهم واشراكهم في القتال فان عملية تجنيدهم لاتقتصرعلى القوات الحكومية، فهناك عمليات تجنيد واستقطاب مستمرة لهم من قبل الجماعات المسلحة – انصار الله , تنظيم القاعدة , وقوى اجتماعية وقبلية , وكذا احزاب وتنظيمات سياسية , حيث يتم والدفع بهم لساحات المواجهة والقتال من قبل هذا الاطراف ، وهناك العشرات منهم ممن تم الدفع بهم لتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات بأحزمة ناسفة !

ويضيف قائلا : ازداد حجم المشكلة نتيجة لارتفاع أعداد الاطفال المجندين خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل مخيف نظرا لاستقواء المليشيات والجماعات المسلحة وتمددها واتساع مناطق الصراع وضعف القوات المسلحة النظامية وغيرها !

 

( حزن بابانويل )

قبل اربعة عقود واكثر رسم الروائي اليمني محمد عبدالولي واقع الحال لدى اطفال اليمن الذي اندفع الالاف منهم الى الانظمام لصفوف الجيش والانخراط في معارك الدفاع عن النظام الجمهوري خلال حصار القوات الملكية للعاصمة صنعاء والذي استمر سبعين يوما- نوفمبر 1967- فبراير1968, في قصة حملت اسم ” الاطفال يشيبون عند الفجر ” مسجلا لحظات الموت التي تنتظر المتحاربين – اولئك الذين يقاتلون لاسقاط ثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري , والذين يقاتلون للدفاع عنها – الجميع كانوا اطفالا توقفت حياتهم في تلك اللحظات التي اختاروا السير في طريقها وهم – لايدركون معنى الموت – ( استقبل العالم العام الجديد وفوق الربوة التي تبعد عشرين كيلو متر من صنعاء كان سبعة وضابط يحفهم الظلام ويحتويهم البرد – لايعلمون بان عامآ جديدآ مر بجانبهم )

 

( لم يتغير شيء)

 

ويتحدث الروائي اليمني محمد عبدالولي – لقي مصرعة عام 1973في تفجير طائرة مدينة كانت تقل عشرات الدبلوماسيين وقيادات الدولة والحزب في ماكان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية في عملية تصفية جرت ضمن حالة الصراع السياسي والحزبي في جنوب اليمن انذاك – في قصتة عن المعركة التي دارت على تلك الربوة المطلة على العاصمة صنعاء وكيف قضى الاطفال – المقاتلين – السبعة مع الضابط الذي كان يقودهم وهم يدافعون عن الربوة ويحمون صنعاء !!

( كان بابا نويل يوزع هداياه في بقاع بعيدة في – العالم – وقال طفل انه يريد بندقية لأن بندقيتة ذابت من الرصاص , واهداه بابا نويل رشاش زميلة القتيل , ويقال ان ذلك حدث عندما كان بابا نويل يمر فوق المعركة , لكنة كان حزينا طوال تلك الليلة في بقاع الارض , وسأله احد الاطفاق عن سبب حزنة فلم يجب الا بكلمات قليلة : ان الاطفال في اليمن يشيبون عند الفجر , ولم يعرف الاطفال ماذا يعني بابا نويل )!!

اليوم وبعد سنوات طويلة مرت منذ ان كتب الروائي اليمني قصتة , لاشئ تغير فمازال اطفال بلاده -اليمن – يدفعون الثمن ويشيبون فجر كل يوم  !!

أخبار ذات صله