fbpx
ملاحظات عابرة عن كلمة د.ياسين نعمان

كلمة الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني التي ألقاها في افتتاح الدورة العاشرة للجنة المركزية للحزب في 22-11-2014م هي كلمة رائعة وصريحة، على الأقل من وجهة نظري المتواضعة، وبالذات في الشق المتعلق بالجنوب، ولكنها لا تخلو من بعض النقاط التي تثير الدهشة والاستغراب، خصوصا وهي تأتي من رجل بحجم الدكتور ياسين، ومن الحزب الاشتراكي الجنوبي الهوى والهوية، إن كان لا يزال كذلك.

نسوق منها على سبيل المثال:

– يقول الدكتور نعمان: «الحزب وقف بقوة معارضا لتقسيم الجنوب إلى إقليمين (شرقي وغربي) لما يحمله مثل هذا التقسيم من استحضار للماضي الاستعماري الذي يجعل الحديث عن القضية الجنوبية مجردا عن مضمونها السياسي التاريخي وباعتبار الجنوب طرفا في المعادلة السياسية الوطنية التي قامت على أساسها الوحدة، وقدم رؤاه بشأن الدولة المدنية الحديثة…».

قول الدكتور نعمان هو كلام ظاهره أكثر من ممتاز، ولكن ما يقوم به الحزب ـ قولا وفعلا ـ يشير إلى عكسه تماما، فالحزب مشارك في اللجنة التي عهد بها إقرار حل الأقاليم الستة ووقع عن الحزب عضو مكتبه السياسي الأستاذ أبوبكر باذيب، فضلا عن التواقيع التي يجود بها الأستاذ يحيى أبو أصبع بين الحين والآخر.. هذا ناهيك عن تحمس الحزب لتنفيذ مخرجات الحوار التي تؤيد حل الأقاليم الستة، وخير دليل على ذلك مطالبته مجلس الأمن الدولي بالضغط على الجميع لتنفيذ المخرجات حين أيد الحزب بقوة بند مجلس الأمن السابع الصادر قبل أشهر.. ولم نسمع من الاشتراكي الحزب أي بيان سياسي لدفع الحرج عن نفسه يعارض صراحة مشروع الأقاليم.

– يقول د.نعمان: «الأوضاع في اليمن تتحرك على الأرض ولا تترك أمام هذه النخب سوى أن تتفق على قواسم مشتركة في اللحظة الراهنة دون أية غطرسة أو مخاتلة من قبل أي طرف بفرض خياره على الآخرين كخيار وحيد.. لقد أدت هذه المحاولات إلى تمزيق الكتلة الثورية الجنوبية المتمثلة بالحراك السلمي..».

فإن كان د.نعمان يتحدث عن تمزق النخب وقيادات الحراك الجنوبي، فمعه حق إلى حدٍ كبير، أما إن كان يقصد أن التمزق يعتري الحراك الجنوبي كله بنخبه وجماهيره ـ وهذا على الأرجح ما قصده الدكتور كونه استخدم عبارة الحراك الجنوبي دون الإشارة إلى جهة بعينها في الحراك – فهنا يكون الدكتور قد جانب الصواب تماما وجنح إلى خبط عشواء، فالحراك الجنوبي ـ كثورة شعبية – في أفضل حالاته بشكل عام مع استثناء التوهان الذي يتملك قادته وبعض نخبه.

– يقول نعمان: «إن على القوى السياسية الجنوبية المنخرطة في الحراك السلمي أن تعي أن رفض العملية السياسية سيترك فرصة سانحة أمام مشروع العنف الذي ستتولاه قوى أخرى، وأن العوامل المؤدية إلى انهيار كيان الدولة ستنعكس سلبا على الجنوب، لابد لهذه القوى في الجنوب أن تنتج روابط وثيقة بالعملية السياسية الجارية على صعيد البلاد كلها دون تحفظ، كما أنه لا يجوز النظر إلى هذه العملية السياسية كما لو أنها تجري من مكان بعيد من العالم وأنها لاتعنيهم في شيء..».

يعرف د.نعمان أن الحراك الجنوبي لم يرفض العملية السياسية حتى في أضعف حالته منذ عام 94م على اعتبار أن الحراك الجنوبي قد تشكلت ملامحه منذ غداة حرب 94م وكيف انخرط في العملية السياسية، ومنها على سبيل المثال المشاركة في كل العمليات الانتخابية بمختلف أنواعها، من باب لعل وعسى، لكن لم يجد غير الصد والإعراض من قبل حكام صنعاء.

وللتذكير.. فكثير من قيادات الحراك الجنوبي هم إما أعضاء مجلس نواب أو مجالس محلية، قبل أن ينفضوا عن أنفسهم هذه الأكذوبة الكبيرة المسماة (العملية السياسية) التي لم تحق حقا ولم تبطل باطلا خلال عقدين من العناء والقهر.

لا شك أن د.نعمان بعبارته السابقة كان يشير إلى عدم مشاركة الحراك الجنوبي في الحوار الوطني الذي انتهى قبل أشهر بصنعاء، ولهذا نقول أن الحراك الجنوبي لم يقاطع الحوار كحوار وكفكرة مثلى للحل، بل شارك ببعض رموزه وإن كان ذلك على شكل مستقلين أو على شكل مكونات جنوبية هي جزء من الحراك الجنوبي الواسع، لكنه أو لنقل غالبية الحراك اعترض على طريقة الفهلوة والحذلقة التي تم فيها الإعداد لذلك الحوار وكان يعرف النتيجة مقدما أنها ستكون مؤامرة على القضية الجنوبية ومحاولة لطمس هوية الجنوب كما ثبت ذلك فعلا عند نهاية وليمة الموفنبيك.. أو كما قال الدكتور ياسين بنفسه في مارس من هذا العام في مقابلة مع «الاشتراكي نت» متحدثا عن القضية الجنوبية: «لقد تم شطبها بصورة كاملة من الحوار»، ولن نذكّـِر د.ياسين بالمصير المؤسف الذي انتهت إليه مشاركة ومبادرة مؤتمر شعب الجنوب في ذلك الحوار، والتي على الرغم من دنو سقفها بالنسبة لمطالب شعب الجنوب التحررية إلا أن مصيرها كان في مكبّات قمامة فندق الموفنبيك.

ومع ذلك.. لنفترض أن الحراك الجنوبي لم يشارك في ذلك الحوار، فماذا عن مشاركة الحزب الاشتراكي فيه، وقد ضربت القوى الشمالية بكل مبادراته وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الجنوبية عرض الحائط، ولم يأخذوا من مبادراته ـ وهو شريكهم في الحكم والحوار ـ ولو كلمة واحدة، حسب اعتراف د.نعمان في المقابلة ذاتها.

بقي في الختام ـ ونحن نشيد بخُلق الدكتور نعمان ورُقي طرحه في كل المسائل الوطنية – أن نعتب عليه فصله في حديثه آنف الذكر بين الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي، مع أننا كنا ولازلنا نعتقد أن الحزب الاشتراكي جزء من الحراك الجنوبي بالمفهوم الأوسع للحراك كثورة شعبية شاملة وليس بالمفهوم المختزل الذي يعمد إليه البعض بتصوير الحراك الجنوبي بأنه بضع مكونات متصارعة.. فحين يستخدم الدكتور نعمان ضمير (هم) في الفقرة رقم (3) من ذاك المقال وهو يتحدث عن القوى السياسية المنخرطة في الحراك الجنوبي نشعر أن ثمة فصل وتمييز بين الحزب والحراك، وهذا ما لم نعهده من د.ياسين، إلا إن كان ثمة أشياء تكمن اليوم وراء الأكمة لا نعلم ماهيتها، وقد بدأ الاشتراكي يغسل يديه تماما من جنوبيته، وبرغم ذلك كله فلن نستخدم القول الفاسد: «إن سوء الظن من حسن الفطن»، بل من سوئه!.