fbpx
الثلاثون من نوفمبر. . . . المعاني والدروس

د عيدروس نصر ناصر

في الثلاثين من هذا الشهر تهل علينا الذكرى السابعة والأربعين لتحقيق الاستقلال الوطني ومغادرة آخر جندي بريطاني من على أرض الوطن وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية على كامل تراب الجنوب من أقاصي حدود المهرة شرقا حتى باب المندب وجزر حنيش وزقر وميون وكمران غربا، وهي المرة الأولى منذ قرون التي تتحد فيها هذه المساحة الواسعة من الارض في دولة واحدة جاءت على أنقاض ٢٣ دويلة ومشيخة وسلطنة وإمارة وجاء هذا الاتحاد تعبيرا عن التطلع إلى السمو والتقدم والتنمية المبنية على قاعدة المواطنة المتساوية بين كل السكان بعيدا عن التمييز أو المفاضلة بين مواطنيها لأي سبب كان.

 

الثلاثين من نوفمبر ليس يوما عابرا في التاريخ الجنوبي بل إنه تكثيف لطائفة واسعة من الأبعاد والمعاني والدروس والعبر المعبرة عن رغبة الشعب في الانعتاق من قيود التبعية والوصاية وتطلعه إلى الحياة الأكثر حرية ورقيا وتقدما وكرامة.

 

كان الإعلان عن جمهورية اليمن الجنوبية (ثم لاحقا الديمقراطية) الشعبية تدشينا لمرحة هامة في تاريخ النضال الجنوبي من أجل الحياة الجديدة التي حلمت بها الأجيال عشرات السنين، وبرغم شحة الموارد وضخامة التحديات وما تعرضت له الثورة والنظام الجديدة من مؤامرات الإخوة والأعداء فإن النظام الوليد استطاع الوقوف على قدميه راسما الخط التصاعدي المعبر عن طموحات السواد ألأعظم من جماهير الشعب في اليمن الديمقراطية، ويكفي أن نتذكر أنه وخلال أقل من عقد من الزمن كانت شبكة التعليم قد وصلت إلى كل قرية ومدينة، والخدمات الطبية صارت في متناول الغالبية العظمى من السكان وتم ربط جميع مدن ومديريات محافظات البلد بشبكة من الطرق، التي وصلت إلى مناطق لم يعرف أهلها شكل السيارة في أعمارهم، وصار الأمن يحمي الناس من تسلط المتسلطين ومكائد المعتدين وجرائم المجرمين.

 

لقد حمل الثلاثين من نوفمبر جملة من المعاني والدروس الحري بأجيال اليوم التعلم منها واستلهامها خصوصا وشعبنا الجنوبي يمر اليوم بمرحلة دقيقة وحاسمة في نضاله من أجل استعاد حقوقه وتقرير مصيره ومستقبله بإرادته الحرة بعيدا عن وصاية الغزاة والناهبين ومستبيحي الأرض ومزوري التاريخ.

 

إن أهم الدروس التي يمكن استحضارها اليوم ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والأربعين للثلاثين من نوفمبر تتمثل في:

 

إن إرادة الشعوب المنطلقة من مشروعية القضية التي تناضل من أجلها لا يمكن قهرها مهما امتلك الأعداء من أسلحة ومهما تمادوا في استخدام أدوات القهر والقمع.

 

إن الطلائع الثورية الرافضة للتبعية والاستبداد حتى وإن كانت قليلة العدد فإنها يمكن أن تهزم أقوى الإمبراطوريات عندما تمتلك شرطين أساسيين لا غنى عنهما: القيادة الحكيمة، والمساندة الجماهيرية الشعبية الواسعة، فضلا عن الإرادة القوية والتصميم على تحقيق النصر وهي الإرادة المستمدة من إرادة الشعب.

 

إن الثورة ليست فقط مواجهة العدو والوقوف بشجاعة أمام صلافته وغطرسته، بل إن من أهم شروط انتصار الثورة: المهارة في تحديد المهمات وجدولتها، وتحديد ما هو منها استراتيجي وما هو مرحلي، والتمييز بين الأعداء الدائمين والخصوم المؤقتين، والفصل بين الصراع الرئيسي والتناقضات الثانوية، والتمييز بين القضايا المصيرية غير القابلة للمساومة والقضايا الوقتية التي يمكن المساومة فيها أو تأجيل البت فيها حتى مراحل لاحقة.

 

من الضروري التمييز بين الأصدقاء المشاركين للثورة والثوار همهم واهتماماتهم، وبين المتعاطفين الذين قد لا يقدمون شيئا للثورة والثوار، وبين من ليسوا مع الثورة لكنهم لا يناصبونها العداء وبين من يقفون علنا في الطرف الآخر من الثورة ومتطلباتها.

 

لقد تعالت الكثير من الأصوات التي تتباكى على زمن بريطانيا واستعمارها لجنوبنا الحبيب، وتخطئ الثورة الشعبية وثوارها بل وتكاد تدين الثورة وشهداءها، وفي  الحقيقة نحن قد لا نلوم أصحاب هذه الأصوات إذا ما كانوا ممن ارتبطت مصالحهم بالنظام الاستعماري وشركائه، لكن الكثير ممن يرددون هذه الأصوات هم ممن لم يعلموا أن عدد المدارس الثانوية في الجنوب زمن الاستعمار البريطاني، لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليدين ولم يكن فيها أي حظ لأبناء الفقراء ، وأن كل المستشفيات التي كانت في الجنوب لم تصل إلى ما يساوي أصابع اليد الواحدة، ولن نتحدث عن خدمات المياه والكهرباء والطرقات ونظام الأمن والقضاء وغيرها من الخدمات التي اقتصرت على مدينة عدن وضواحيها وبعض مدن الإمارات، بينما ظلت كل مناطق الجنوب محرومة من أبسط تلك المقومات وظلت تعيش أوضاعا وظروفا تنتمي إلى ما قبل القرن التاسع عشر.

 

إن المعاني العظيمة للثلاثين من نوفمبر كتتويج لثورة الرابع عشر من أكتوبر تتجسد في ما حققته الثورة من مكاسب لصالح الطبقات الفقيرة والمستضعفة على صعيد الخدمات والتعليم والتطبيب وتحقيق الأمن وتوفير فرص العمل لكل محتاج وإقامة شبكة الرعاية الاجتماعية التي وبرغم شحة الموارد ونقص الإمكانيات لم تدع فقيرا يعاني من الجوع ولا متسولا يبحث عن لقمته عند المتصدقين ولا مريضا يعجز عن تدبير قيمة العلاج أو إجراء العملية الجراحية مهما بلغ تعقيدها وارتفعت كلفتها.

 

إننا نتحدث عن 30 نوفمبر ما فبل كارثة (الوحدة المباركة) عندما كان الإنسان هو وسيلة وأداة وهدف العملية السياسية والاقتصادية، أما 30 نوفمبر اليوم فلم يبق منه إلا الاحتفال الشكلي وترديد الأناشيد الوطنية التي لا تمت بصلة لحياة الناس الذين طحنتهم السياسات العرجاء وسرق اللصوص لقمتهم من داخل أفواههم.

 

السؤال اليوم هو ماذا يستفيد الثوار الجنوبيون من دروس ومعاني الثلاثين من نوفمبر وهم يحتشدون بمئات الآلاف وبالملايين في ميادين الحرية وساحات الكرامة؟؟ وكيف يمكن لهذه الملايين استلهام دروس وعبر ومعاني ثورة اكتوبر واستقلال الثلاثين من نوفمبر في استعادة الحق الذي اغتصبه المغتصبون، ورد الاعتبار للتاريخ الذي تعرض للتزوير على أيدي غزاة 7 يوليو المشؤوم؟؟؟

 

برقيات:

*    هل يتذكر اليمنيون في الشمال والجنوب وأبناء أبين قائد الأمن في أبين الذي أمر جنوده بالانسحاب وتسليم معسكراتهم ومخازنها وأسلحتها وما بداخلها من آليات وذخائر وعتاد لتنظيم أنصار الشريعة؟ هل ما يزالون يتذكرون اسمه؟ إنه نفس القائد الذي قتل من أبناء أبين 23 شابا من نشطاء الحراك في يوليو 2008م، إنه العميد عبد الرزاق المروني، الذي صار اليوم لواءً وتمت ترقيته إلى أركان حرب الأمن الخاص (الأمن المركزي سابقاً) مكافأة له على أدواره البطولية في أبين.

 

*    يقول الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان:

 

أي نورٍ  يَـــــــلوُحُ  ثمّةَ  كالومضِ        يشّقُ  الــظلامَ  في  سَرَيانِهْ

 

خاطفٌ  يرتمي  على  هامةَ  الأفْقِ       ويرفضُّ  مطلقاً مِن  عَــنَانِهْ

 

ضجَّ  مــــنهُ  الدّجى  وثار يحاكي        وَثَبات  العباب  في  هَيَجانِه

 

كلُّ  حيٍّ  لهُ  التــفاتاتُ  مَن  ضلَّ        سبيلاً  وغابَ  عن  وُجْدانِهْ