fbpx
عين العرب كشفت عن عمق الخلافات بين أنقرة وواشنطن… «داعش» والنظام السوري وطبيعة العدو المشترك
شارك الخبر

يافع نيوز – القدس العربي

كشف جنرال في جيش النظام السوري للصحافي البريطاني روبرت فيسك من صحيفة «إندبندنت» البريطانية عن طبيعة الحرب التي يخوضها الجيش السوري ضد تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش والتي يرتكب فيها الطرفان مجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وأجرى المقابلة في واحدة من مراكز القيادة العسكرية في دمشق، حيث تحدث للمسؤول العسكري البارز، الذي شارك في حرب عام 1982 في لبنان، وشرح كيف تعاني الجيوش من هزائم وانتصارات، وما تعرض له جيش النظام أثناء الحرب الأهلية الحالية من نكسات.
والتقى فيسك مع الضابط في الوقت الذي تواردت فيه الأنباء عن دخول جبهة النصرة مركز مدينة إدلب وسيطرتها على مكتب محافظها، وبدأت عملية ذبح ضباط كبار في الجيش. الحادث الذي تحدث عنه فيسك في تقرير سابق. فالجنرال البارز الذي تحدث إليه ينظر للأحداث التاريخية نظرة حصيفة، ومن الواضح أنه لا يعارض الغارات الجوية الأمريكية ضد داعش مع أنه ليس متحمسا لها. ويقول «جيشنا لا يعرف متى وأين ستحدث هذه الغارات الجوية».
ويضيف «نشاهد المقاتلات على الرادار- ويمكننا مشاهدة كل شيء، لكن إن شاهدت نقاط التفتيش على الجبهة فإنك تراها بالصدفة، فنحن والأمريكيون لا نتشارك في المعلومات، ويقوم الأمريكيون بالهجمات وهذا أمر طبيعي.
وقرروا في الأمم المتحدة أنهم سيقومون بهذه العمليات، سوريا قالت «نعم»، نحن نقاتل داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، ولكن الأمريكيين لم يطلبوا منا أبدا معلومات عن الأهداف التي يضربونها».

كلها متشابهة

ويرى الجنرال أن داعش وجبهة النصرة وبقية الجماعات الإسلامية لا تختلف عن بعضها البعض، ويرفض «الجيش السوري الحر»، الذي وصفه بأنه «فانتازيا أكثر منه حقيقة»، ويؤكد أن استراتيجية داعش وجبهة النصرة واحدة في أي مكان يقاتلهما الجيش السوري «إنها الخطة نفسها، والأوامر نفسها وتستخدمان الأساليب نفسها.
ويضيف العسكري أن الأولوية للجيش السوري هي معرفة أين يقاتل، ولا أزعم أن اليد العليا تكون للجيش السوري في المعارك كلها، فالحرب ليست من آجل تحقيق النصر فقط، وهناك دائما مهزومون ومنتصرون، هذه هي طبيعة الحرب».
ويضيف الجنرال «نعم، في بعض الأماكن خسر الجيش السوري وتعرض لنكسات، لا ننكر هذا، ونحن لا نتظاهر بأننا المنتصرون دائما، لكن انتصاراتنا هي أكثر من هزائمنا. فقبل ثلاثة أيام تمت السيطرة على بلدة مورك الإستراتيجية بين حلب وإدلب وأصبح الطريق بين حلب ودمشق آمنا بشكل كامل».
ويعلق الضابط على أحداث إدلب بالقول «حاولت النصرة اختراق المدينة، ولكننا أحبطنا محاولتهم». وهذا صحيح لكن الضابط لم يذكر ما حدث لرفاقه الذين ذبحتهم جبهة النصرة.

ماذا عن الرقة؟

وعندما سأل فيسك بطريقة عابرة عن الرقة، حيث سيطرت داعش وجبهة النصرة على آخر قاعدة عسكرية للنظام فيها هذا العام. وتم عرض مئات من الجنود السوريين أنصاف عراة قبل قتلهم، بل وعرض المقاتلون طائرتي ميغ اخذت من قاعدة الجيش. وانتشرت تقارير عن قيام الطيارين السوريين بتدريب مقاتلي داعش على استخدامها. علق الضابط قائلا «هذه دعاية رخيصة، وهاتان الطائرتان قديمتان ولا تصلحان للطيران، وكانتا أمام بوابة القاعدة منذ فترة، ولو كانتا صالحتين للطيران لكنا أخذناهما منذ وقت طويل، وهما طائرتان قديمتان من نوع ميغ-17 وبدون رادار أو أجهزة تحكم، ولم يكن بإمكاننا إصلاحهما ولن يستطيعوا هم أيضا.
وحتى الروس لم يقدروا على إعادة بنائهما. فنحن نعرف كل شيء يطير في الأجواء السورية، حتى المقاتلات الأمريكية، ولكن هاتين الطائرتين لا يمكن أبدا استخدامهما». وعندما علق الجنرال على الرقة ومصير أهلها والجنود الذين قتلوا كان الضابط غاضبا، حيث قال «داعش تنظيم رجعي، ويحاول العودة للماضي، القرون الوسطى، فهم يعدمون ويعذبون ويقولون إنهم يطبقون الشريعة. ويعلمون الأطفال كيف يقطعون الرؤوس».
ولم يقدم الجنرال رقما عن عدد الجنود السوريين، الذين قتلوا في الرقة «لا أستطيع إعطاء رقم محدد، وهناك عدد ما زال مجهول المكان، وأشرطة الفيديو يتم التلاعب فيها، ولا نصدق كلام داعش، لقد أسر عدد من الجنود ولكن لا نعرف عددهم الحقيقي».
ويواصل الجنرال «يخوض الجيش العربي السوري حربا مفتوحة مع الإرهابيين منذ أربعة أعوام، طبعا كانت هناك نكسات ونستهدفهم كل يوم، ونقتل المئات منهم، ولن أعطي سوريا لهؤلاء الحمقى. ونحن نقاتل حتى الموت ولكننا مع الحل السياسي، ونحن نرى أن لا حل في النهاية إلا الحل السياسي.
القضاء على الإرهابيين هو المهم، فكل الناس في العالم ضدهم، وكل من يحمل السلاح ضد الجنود السوريين او الحكومة السورية أو الناس المدنيين، يشترك في هذا الإرهاب.
وتقوم الولايات المتحدة ـ بالغارات- بسبب قتل الصحافيين، حيث كان قتلهما مبررا للتدخل في سوريا. ولكننا سنقضي على كل الإرهابيين على التراب السوري، وحسب رأيي فنحن نتعاون مع التحالف لأننا قلنا «نعم» عندما قاموا بمهاجمة داعش. وكان قرار الأمم المتحدة دليلا على تعاوننا».

أزمة عين العرب/كوباني

وعندما سأل فيسك الجنرال عن عين العرب/كوباني أجاب بنوع من السخرية، قائلا «علينا التفريق بين العسكري والسياسي، عين العرب هي مدينة سوريةتعيش فيها غالبية كردية وقام داعش بشن هجوم عليهم لأنه يريد السيطرة عليها، ويبني قاعدة له هناك لأنها مدينة حدودية.
سياسيا هناك شيء مسرحي. فالأتراك يريدون إقامة منطقة عازلة ويحاولون الضغط على الأمريكيين كي يوافقوا على هذه المنطقة ـ فيما يحاول الأمريكيون دفع تركيا للدخول في حالة حرب. هذا هو «العنوان الرئيسي» ولكنهم يحاولون استخدام بعضهم البعض، أي الأمريكيين والأتراك، ومن يدفع الثمن هم سكان عين العرب».
وفي النهاية يسأل فيسك عن «الجيش السوري الحر» الذي تعمل الولايات المتحدة على تدريب عناصره، يجيب الجنرال ضاحكا «قد يكون هناك بعض المقاتلين في إدلب أو قرب درعا»، و»كان هناك بعض الجنود والضباط الذين انشقوا عن الجيش السوري»، وأضاف «بعضهم طلب العودة مرة أخرى للجيش، وعاد آخرون وأرسلناهم لبيوتهم».

تحالف ينهار

ويقودنا حديث الجنرال السوري عن بلدة عين العرب/كوباني للتحدث عن طبيعة التحالف الأمريكي ـ التركي الذي تقول صحيفة «واشنطن بوست» إنه يتداعى.
تقول الصحيفة إن التحالف الذي يبلغ عمره 60 عاما يظهر إشارات على التفتت. وتقول كاتبة المقال ليز سلاي إن الإفتراق المستمر والعدائي النبرة بين تركيا والولايات المتحدة حول سوريا يهدد استمرار التحالف القديم مع أكبر دولة إسلامية من ناحية عدد السكان.
ووصلت الأزمة بين أنقرة وواشنطن لدرجة أن البعض بدأ يسأل إن كان هناك فعلا تحالف بينهما. ويشير المراقبون لملامح الأزمة عبر رفض تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها الجوية لضرب داعش، والخلاف حول إدارة المعركة في عين العرب/كوباني والتصريحات شديدة النبرة التي برزت من بعض المسؤولين الاتراك الكبار ضد السياسة الأمريكية. وتضيف الصحيفة قائلة إن طبيعة التهديد الذي تواجهه المنطقة أصبح محل خلاف بين أنقرة وواشنطن، وفيما إن كان داعش هو التهديد الأعظم للمنطقة أم لا، ويلقي كل طرف اللوم على الآخر ويحمله مسؤولية الفوضى في لغة مشبعة بالإتهامات والغمز والإهانة.
وتقول الكاتبة إن التحالف الذي تم عقده في أثناء الحرب الباردة واستمر حتى الآن يعتبر مهما للولايات المتحدة خاصة أن تركيا تقع على الخط الأمامي لجبهة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبحدود تمتد على 780 ميلا مع كل من سوريا والعراق. فبدون تعاون تركي فأي محاولة أمريكية لجلب الإستقرار في المنطقة لن تنجح.

بلد مهم لنا

وتنقل الصحيفة عن فرانسيس ريكاردوني التي عملت سفيرة في أنقرة «إن لم تكن تركيا حليفة لنا، فعندها نحن وتركيا في ورطة»، مشيرة إلى أن تركيا تعتبر أهم حليف في المنطقة. وكان الخلاف قد تفاقم بعد قيام الولايات المتحدة بإنزال مواد عسكرية وطبية للمقاتلين في عين العرب/كوباني الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين ينتمون لحزب العمال الكردستاني ـ بي كي كي. ولم يخف الرئيس التركي طيب رجب أردوغان غضبه على الطريقة التي أمر فيها الرئيس أوباما بمساعدة المقاتلين الأكراد.
وكان أوباما قد اتصل بأردوغان وأخبره بالقرار بعد أقل من ساعة من حديث الرئيس التركي للصحافة من أنه لن يسمح بمساعدة كهذه. وفي جولة له على دول البلطيق أشبع الرئيس التركي الرئيس أوباما نقدا، وقال إن «الولايات المتحدة فعلت هذا على الرغم من الرفض التركي». وحاول المسؤولون الأمريكيون تطمين الأتراك أن المساعدة هي لمرة واحدة فقط، واتفق الطرفان على تنسيق حماية البلدة من خلال إرسال قوات بيشمركة كردية.
وتقول الصحيفة إن الخلاف حول عين العرب/كوباني كشف عن خلافات أخرى بعضها يتخمر منذ سنوات وآخر ظهر للعلن في الفترة الأخيرة بعد الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش.
ويقول المحلل في معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية بولنت علي رضا «تكشف الأزمة السورية عن الحقائق المخفية غير المريحة للعلاقات التي وضعناها جانبا»، مضيفا «كنا نرقص رقصة الكابوكي اليابانية التي كانت واشنطن وأنقرة تقول من خلالها نحن متفقون والحال يقول أمرا غير ذلك».

أزمات سابقة

ولكن التوتر بين البلدين ليس مسبوقا أو جديدا، ففي عام 1973 فرضت الولايات المتحدة حظر تصدير للسلاح على تركيا بعد اجتياحها الجزء الشمالي من جزيرة قبرص.
وفي عام 2003 عبرت واشنطن عن غضبها لرفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية غزو العراق عبر الأراضي التركية.
ولكن الخلاف هذا تم تجاوزه بعد عقد من الإنجازات التي حققتها تركيا في ظل أردوغان، حيث يقول محللون إن البلد ازدهر لكن الحكم بدأ يميل نحو الشمولية. لكن تركيا كانت واضحة في عام 2003 كما الآن أنها لا تريد أن تكون منصة إطلاق للهجوم على بلد مسلم في الشرق الأوسط.
فقد كان أردوغان واضحا في موقفه من داعش وأنه لا يعتبره تهديدا أخطر من تهديد النظام السوري أو «بي كي كي». ويقول علي رضا «هناك شكوك حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وتركيا متفقتان على نفس الأولويات أو تشتركان بالأهداف نفسها»، وحتى عندما يتم الحديث عن «العدو، لا يوجد عدو مشترك».
ولا يعني هذا بأي حال أن تركيا متعاطفة مع داعش، فهي وليست الولايات المتحدة من ستعيش مع دولة متطرفة على حدودها، لكن تركيا لا تخفي غضبها من قصر نظر السياسة الأمريكية التي تتعامى عن الخطر الحقيقي ومصدر الفوضى وهو النظام السوري لبشار الأسد. فبقاء الأخير في منصبه يعني استمرارا للحرب الأهلية.
وبحسب مسؤول تركي فوجود 1.5 مليون لاجىء سوري يضع أعباء على تركيا – مالية واجتماعية وستزيد حالة لم يتم حل النزاع في سوريا. ويشير المسؤول «هم خلف الاطلسي، أما نحن فجيران سوريا، ونعرف أن بقاء الأسد في الحكم يعني استمرار المشكلة لعقود». وفي الوقت الذي أكد فيه المسؤولون الأمريكيون أن النظام السوري لن يكون جزءا من أية تسوية، إلا أن مسؤولا قال إن الكلام شيء والفعل شيء آخر.
ودعا مسؤول آخر الولايات المتحدة للتفكير بطريقة أوسع وتشكيل استراتيجية شاملة وطويلة الأمد حتى تحل مشاكل المنطقة. وفي الوقت الذي يعترف فيه المسؤولون الأمريكيون بأنهم أحيانا لا يراعون وضع حلفائهم في المنطقة، ولكنهم يقولون إن تركيا بدأت تتعاون واتخذت عددا من الخطوات للحد من تدفق الجهاديين عبر أراضيها.
وبحسب مسؤول بارز «لقد رأينا في الفترة الأخيرة عددا من الخطوات ويتعاونون أكثر في هذه القضايا».
ورغم كل هذا الخلاف، تقول الصحيفة إن الأزمة في تركيا قربت من تركيا والولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، فلم يتحدث أوباما مع أردوغان منذ بداية العام الحالي إلا عندما التقيا في ويلز أثناء قمة الدول الثماني حيث تحدثا حول تشكيل التحالف ضد داعش. وأعلن جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي عن خطط لزيارة أنقرة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
ولكن من الصعب تجنب الحديث عن وجود مسارين مختلفين لكل من واشنطن وأنقرة. ومن هنا فـ»مسارات متوازية في العادة لا تلتقي» حسب غوهان باشيك من جامعة إيبك في أنقرة.

أخبار ذات صله