fbpx
الثبات الثبات .. فالنصر صبر ساعة

 

 

المسألة جمّة، والمرحلة فاصلة، واللحظة حاسمة وعظيمة، أتذكر قبلها جيداً، كيف أنني شاركت في مراراة  الحزن, وصور المهانة والتغييب والاستهداف، الذي طال شعبنا الجنوبي، وكتم على أنفاسه، وجثم على صدره منذ عقدين ونصف. لكنني .. كنت أخشى كثيراً احتمال أن نتوقف عند ذاك الحزن والوضع، فيدفعني الخوف للتحرك بالغضب العارم ، فعشت كغيريتعرية الحكام، وحراك الناس، ودموع الأطفال على جثث الأطفال، وصرخات اللوعة، ونداءات الأحرار، الذين تساقطوا على أرضنا كألاشجار، واقفون دون تردد، عظماء دون وجل امام رصاصات الغدر والقتل .وعلى  الجانب الآخر، كنت على يقين،  بأننا نحتاج إلى فرحة تتفجرمن حزننا، وإلى تحرك فاعل مثابر يمتد من غضبنا، وإلى تاريخ نصنعه “هنا والآن” يكون مبررا للانتماء لتاريخنا الحقيقي، وهويتنا العريقة، وأرضنا المسكونة بالحرية الواعية، والفكر الراقي والحضاري .اليوم فقط .. يمكنني القول بجدية، أننا أمام رهان حقيقي، واختبار كبير، يمكننا إن نجحنا فيه، أن نؤسس لأجيالنا مدرسة عظيمة، يستشفون منها التجارب الناجحة، ويتغذون منها فكريا للنجاح الدائم في مستقبلهم ومستقبل أولادهم ومن يليهم .اليوم فقط .. يعني الثبات أننا الأجدر بالحرية، وقادرون على تجاوز المراحل الصعاب، وصنع التأريخ المشرف لنا ولأجيالنا، ونجاح هذا الثبات الذي يظهره شعب الجنوب اليوم، في الساحات، مرهون بفكرة معاصرة، وراقية وواعية، والفكرة لا تموت، والنصر ما هو إلا صبر ساعة .فطوال السنوات التي تفجر فيها صمتنا، حمماً مقذوفه ضد الاحتلال وأزلامه، وكانت سلميتنا نيشان الشرف الكبير بين شعوب العالم، وسلاحنا الفتاك لمواجهة آلات القمع والإجرام، تعلمنا الكثير، وأدركنا أننا شعب يرنو الى السلام ويفكر بعقله الواعي، وليس بعواطفه الجامحة، شعب قادرا على التحكم بتصرفاته ومسيرته وسلوكه وحياته، وليس همجياً ينظر الى فوهة بندقيته بانها الحياة والسلوك والممارسة .

إن الارتقاء بالفكر النضالي الجنوبي السلمي، عمل لابد أن يستمر وان يحقق مزيدا من النجاحات،  من خلال عمل النخب الواعية والمدركة لتفاصيل ما يحدث؟.

صحيح أننا نشهد اليوم تقدم كبير في الوعي النضالي والسياسي الجنوبي لكنه غير كافي، ويجب أن يكبر ويرتقي حتى يصل إلى مستوى كبر وحجم الوطن الجنوبي ، كما  يجب أن يشمل الوعي السياسي و الثقافي أو دعونا نسميها ” الثقافة السياسية ” وما تسمى أيضا ” الحنكة السياسية ” في جميع الاتجاهات سواءً في “الخطاب السياسي الميداني أو الخطاب السياسي الإعلامي ” أو حتى السلوك السياسية التي لا يأتي التهور في أبجدياتها أو التخوين أو إلقاء الاتهامات الباطلة أو التعصب لهذا أو ذاك التيار،أو لهذه او تلك المنطقة، حيث يناضل جميع أبناء المناطق والمدن والأرياف والقرى، مقدمين تضحيات كبيرة في سبيل حرية الوطن الجنوبي الكبير الذي يحتضن كل أبناءه، على قاعدة التسامح والتصالح والرقي، واحترام الاراء والتعامل الجيد مع الاختلاف في وجهات النظر .

 

عندما نخاطب شعب الجنوب، فنحن نخاطب شعب، واجه بالسلم أعداءه ومحتليه، وحق له ان يكون السلم مبدؤه للتعامل مع كل الاراء المختلفة والمتباينة بين ابناءه وتياراته  .

نقول لهذا الشعب العظيم إن الوقت قد آن لاستلام المرحلة والعمل على مواصلة وترتيب الأمور، وذلك لا يعني أبداً أننا نقصي أحداً من أولئك المناضلين الميدانيين او السياسيين، الذين واجهوا بصدورهم العارية آلات القمع والموت التابعة لقوات الاحتلال .

ولكن نعني بها، أنها اللحظة المؤسسة لصنع التحول النموذجي والتكاملي نحو البناء المؤسساتي، لدولة تجمع كل أبناءها، وتحترم خصوصياتهم، وتفتح ذراعيها للجميع، ولمن أتاها ملهوفا او تائهاً، او يحب أن يعيش بكنفها وبين ابناءها .

 

من هنا .. يجدر القول ان على الشعب الجنوبي والمرابطين في ساحات النضال  أن يكونوا عند مستوى الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي المتطور والقادر على إنجاح وانتشال الوضع السياسي الجنوبي مما هو فيه من تخبط وعشوائية اورثتها له سنوات الشتات والظلم والعبث خلال العقدين ونصف الماضية، لهذا يجب أن يكون شعبنا الجنوبي عند مستوى المرحلة الفاصلة من تأريخ نضاله وجهاده السلمي وعظمة صموده وصبره على المحن والبلاء .

وعلى المثقفين السياسيين ورجال الوعي ورجال الدين وعلماؤه، وكل فئات وشرائح شعب الجنوب، أن يحملوا على عاتقهم مسؤولية تاريخية لا يجب أن يتهرب  أو يفلت منها احد، وان يكونوا مع شعبهم وأهلهم وأبناء وطنهم الجنوبي في ضرورة الوصول إلى بر الأمان بتكامل الجهود وتكاتفها ، كما يجب على الصحفيين والإعلاميين والحقوقيين والمعلمين والأدباء والكتاب، أن يعملوا على استكمال تكاتف جهودهم في نشر الوعي الثقافي المجتمعي، والسياسي لتحسين أدوات النضال وتطويرها وإظهار الخطاب السياسي المحنك والقادر على تحقيق مطالب وآمال شعب الجنوب، وخاصة في مرحلة حساسة، بات النصر فيها للوطن الجنوبي ككل، قاب قوسين او أدنى . فالثبات الثبات .. يا شعبنا الجنوبي، فإن النصر صبر ساعة، وإن المرحلة فاصلة، بين النجاح وتحقيق المراد، وبين الفشل والتقهقر الى الوراء وكهوف العبثية والتيه والضياع، ولنا جميعاً أن ننتصر، وحق لنا ذلك. فتضحيات شهداءنا وجرحانا ومعتقلينا ومشردينا لا يجب ان تذهب هدرا، بل علينا تعزيزها بالنصر ولا غير النصر .. وتحياتنا وانحناء هاماتنا للشهداء والجرحى والمعتقلين، ولشعب يرابط في الساحات في العراء ليصنع النصر، وهو له كذلك وحانت ساعة القطاف وإننا لقاطفيها .. وإن غداً لناظره قريب .