fbpx
سلم واستلم ..؟!

“سلم واستلم” بهاتين الكلمتين ذات المصطلح الشعبي يمكن تلخيص المشهد اليمني العام والأحداث التي تعيشها محافظات الشمال اليمني ، طرفاها أعمدة النظام السابق والحوثي ، في خطوة يسعى من خلالها النظام السابق للعودة إلى الحكم بلباس حوثي ظاهري ، في حين يسعى من خلالها أيضاً الحوثي إلى تبوء سدة الحكم بدعم عسكري عفاشي .

حتى اليوم معظم المحافظات التي سُلمت للحوثي هي تلك التي يطغى فيها نفوذ حزب الرئيس المخلوع بشكل كبير ومُسيطر ، وفي هذا دلالة على دور المخلوع في الإيعاز للسلطات المحلية في هذه المحافظات بتسليم مقراتها الأمنية والتنفيذية للميليشيا المزيج “الحوثية العفاشية” ، دون أي مقاومة ، في حين صمدت إلى اليوم المحافظات التي لا يتواجد فيها حزب المؤتمر بالشكل المُسيطر كمأرب والجوف والبيضاء إلى حد ما .

منذُ سلم علي صالح السلطة شكلياً ضمن اتفاق رعته المبادرة الخليجية وهو يرسم الخطط والألاعيب ليوم كهذا ، أقصته المبادرة الخليجية من الحكم كشخص واسرة لكنها أبقته كحزب شريك في السلطة والثروة والنفوذ ناهيك عن حصانة أوجدت له الأمان من المحاكمة ، والشراكة والحصانة هما ما وفر له بيئة خصبة للعب دور المعارض الساعي للعودة إلى الحكم ، وهو في هذا يلعب دور المعارضة خارج أطر السياسة المعروفة وبطريقة يكسوها الطابع التخريبي العسكري .

سلم صالح السلطة شكلياً لكن الدولة العميقة التي بناها طيلة (32 عاماً) قضاها في الحكم لم يكن بالإمكان القضاء عليها من قبل نظام ما بعد صالح في ظرف سنة أو سنتين ، فكل مفاصل الدولة كانت تعج بالأتباع والمناصرين ، إما ممن استمروا في مناصبهم نتيجة لاتفاق الشراكة والمناصفة في الحكم ، أو ممن تغير ولائهم المرحلي للنظام الجديد في محاولة منهم للبقاء كخلايا نائمة تحت تصرف صالح عندما يحين موعد هذا ، وما يحصل اليوم من تسليم المحافظات للحوثي هو من تنفيذ هؤلاء .

دور صالح الكبير الموالي للحوثي في هذه الأحداث لم يعد خافياً على أحد وكل متابعي الوضع في اليمن يدركون هذا ، يدفعه في ذلك عاملان الأول دافع الانتقام ممن أزاحه من الحكم في (2011) وقد تحقق له ذلك بخروج علي محسن وآل الأحمر من المشهد السياسي والعسكري تماماً ، والعامل الآخر هو العودة للحكم بعد أن يزيح الطرف الذي أزاحه ، لكن هنا تبقى المعضلة الأكبر أمام تحقيق حلم عودته للسلطة وهي ماذا سيحدث بعد أن تستتب الأوضاع لحليفيّ اليوم “عفاش والحوثي” وتتمكن لهم السيطرة ، هل سيتفقان على الشراكة في الحكم فيما بينهما أم أنهما سينهيان تحالفهما ويبدأن صراع جديد يسعى فيه كل منهم للانفراد بالحكم ..؟

طموح الحوثي هو أن يحكم ، وهو ذات الطموح الذي يحمله صالح أيضاً ، وفي سبيل أن يستعيد الحوثي الحق الالهي المسلوب منه كما يصفه لا يمنعه هذا أن يجعل من علي صالح شريكاً صورياً له في الحكم يحمله تبعات كل اخفاق بحكم أنه الظاهر في الشاشة ، فيما يتحقق للحوثي المكاسب دون أن تتعرض صورته لأي تشويه سلبي ، تماماً كما هو حزب الله عليه في لبنان ، في الظاهر هناك مؤسسات دستورية وتنفيذية تحكم ، وفي الباطن هو الآمر الناهي في الدولة .

هذه هي حقيقة ما يحدث ، فما بين أوصاف ثورة مضادة وانقلاب مسلح يمكن توصيف ما يحدث ، وما بين كلمتيّ “سلم واستلم” تدور الأحداث في الشمال اليمني ، في انتظار ما ستسفر عنه قادم الأيام ؟