fbpx
المتمذهبون سيخسرون

بقلم : فاروق المفلحي

في المدينة التي اعيش بها ، واسمها برانت فورد . تعرّفت على صديق من الجالية اللبنانية وعند مرورنا في احد الايام على بيته بمعية صديق لي من اليمن، لفت إنتباهي قدوم أسرته، فبادرني واخبرني ان لديه أسرة كبيرة ومنهم بنتان تدرسان في الجامعة . فكانت اول نصيحتي له ، عليك ان تربطهن بالوطن وتقوم بترتيب زيارات الى لبنان بمعيتهم حتى يستعيدون هويتهم وحتى لا تطغى هوية على هوية، فتصبح الهويّات مسخاً .كان رده أنهم يتابعون أخبار الوطن بكل إهتام وثقافتنا العربية والاسلامية مكّينة وثابتة، وأردف وربما يتزوجن البنات من بعض المعاريف في لبنان قريباً

بعد سنتين التقيت به صدفة وسالته عن احواله ؟ فقال الحمد لله اعمل في مصنع شوكلاته عمل بسيط براتب مُجزي ، ولكنني تعبت! قلت من ماذا ؟ قال بصوت مشوب بالقهر لقد فقدت صغيراتي وتزوجن من اجانب غير عرب! رغم ان الأزواج اسلموا ولكنهم مختلفي الثقافة وقليلي التزاور ويعيشون لأنفسهم فقط

.

قلت لقد كنت قد اخبرتني حينها ان الفتيات تقدم لخطبتهن شباب من معاريفكم في لبنان؟ قال رفضت ذلك و السبب في رفضي هو المذهب! فانا شيعي والشباب المتقدمون من السنة . قلت له وكيف صرتم اقارب فرد وهو يسحب تنفسه بعمق وحسرة ، وقال في ذلك الزمن لم يكن هناك هذا الفرز الطائفي وكنا لا نعرف عن التصنيفات ابدا ولا نسال عن المذهب

!.

وتذكرت حادثة في التاريخ وفي معركة القادسية فقد قرات ان المعركة وقبل ان تدور رحاها في الصباح ، استوى المسلمون في صفوف فقاموا باداء صلاة العيد . وكان يشاهدهم بعض فلول الجيش الفارسي .فعجبوا كيف لقوم تصلي وقوم لم يصلوا معهم؟ وظنوا ذلك بدعوى الحراسات خوفا من ان تباغتهم جيوش الفرس وهم يصلون ، ولكن تبين لهم ان الذين لم يصلوا من الجيش الاسلامي كانوا من المسيحيين وقد آثروا الجهاد مع المسلين ومع قومهم ورحبوا بهم المسلمون للانخراط معهم في جيوشهم بل و بكل ثقة وأمتنان قبلوهم للجهاد معهم رغم الاختلاف الديني وفي تلك الايام الخوالي! كيف كنا ؟وكيف اصبحنا اليوم .!! كنا اخوة و نصنع الفرق بل التفوق ونرتقي بمشاعرنا وتعايشنا

.

اذن اسال بكل براءة لماذا استيقظت المذهبيات ؟ ولماذا بدات الناس تتمترس خلف المذهبيات؟ ومن ابقظ هذه المهالك من مرقدها وصيّرها عدوات واحقاد وترصد بل وقتل وفتك؟ . هذه العدوات كيف نبعثها ومن المستفيد منها ؟ فنحن نشهدها تسن خناجرها ولا تجز الا رقابنا ، وتدوي صرخاتها التحريضية وتملىء عيوننا واسماعنا وتعيش وتتغلغل بيننا . كيف نقرها وهي تنشتر كالنار في الهشيم؟ وكيف النجاة منها ؟ واين المفر .؟ فنحن نسافر في اعمال وزيارات وتنقلات ودراسة وعلاج ، نسافر عبر المعمورة . ونلتقي وتجمعنا أوطان ومصالح ووظائف وعلاقات. فهل نسمح للمذهبيات ان تهتك وتخندقنا وتمزق نسيجنا وتروعنا ؟

.

وفي وطني تعايش الزيدي مع الاسماعيلي مع السني والصوفي لقرون ولم نسمع من هدم مسجدا او من اغضب حشداَ او جمعاً في مناسبة دينية او أحتفائية از زيارة ولي من أولياء الله الصالحين .ولم سمع من رفض قبول من تقدم لخطبة ابنته بسبب مذهبه . والمذهبيات فسحة وتعددية فما اجمل التعدد والتنوع ضمن محيط ديننا وثوابته . وهل تطيب لك حديقة بلون واحد من الزهور؟ او مائدة تمتد بذلك الطول وليس فيها من أطايب الطعام الا لوناً واحدا ممذوقاً بارداً وقد فتر وبهت لونه ومذق طعمه؟

اقبلوا بعضكم ، واحبوا بعضكم، فهنا في -كندا – ترى الكنائس المتعددة اللوذرّية والبروستانتية المورمونية والكاثولكية والمسجد السني والاحمدي والشيعي والساناجوج اليهودي والمعبد البوذي والهندوسي والسيخي، وتتعاون الناس في بنائها وفي صيانتها بل وفي ابرازها فهنا التشكل والتعدد والتحضر والتعايش . وتراهم العُباد بعد خروجهم من هذه المعابد يلتقون معا في المطاعم وفي المتنزهات وفي الزيارات . وفي العلاقات ، وهذا ما انشده في وطني وهو قبول الآخر .ان نقبل ونتقبل المذهب واللون واللهجة والمنطقة فكم هي الحياة؟ وكم بها من بقية لنعيشها مع الحروب والبغض والقتل والموت ؟

وأعود الى صديقي اللبناني ، لقد قال ليتني استمعت الى نصح اصدقائي فقد نصحوني ان من تقدم ، هم من خيرة الشباب خلقا ودينا ،واضاف ولكنني مارست كل غروري وشطحاتي وعصبيتي ومذهبيتي فتمزقت اسرتي .
ونصيحتي ان لا تعيروا آذانكم لمن يسمعكم الكلام الذي يحشد الكراهية ويتمحور حول قضايا مذهبية وعادات وسلوك وعقائد ومن يتعمد بجهله او بحقده في نشر ثفاة الكراهية المدمرة . فمن يلهج بذلك ، هو مريض وفُصامي ويعاني من ثقل الاحقاد التي تنوء بها روحه ومشاعره وضميره . دعوا السامعين ايها الوعّاظ  دعوهم  يتركون مجالسكم وكلهم صفاء سريرة ومحبة وتعايشاً وأماناً نفسياً ورحياَ ، لا ان  تحملوا  وتثقلوا  قلوبهم  بخصومات و بكراهيات ونبذ وفرز وملامات وترصد وتكفير فكم هي مضنبة  ومزري.

ولكن السؤال الاكبر والاهم يوجه الى اولياء الأمر -حكامنا – و الى الدُعاة والى الوعّاظ والى رجال الدين وعلماء الامة؟ . هل استفدتم من نشر الكراهيات والنبذ والاقصاء؟ كيف لكم ان تمنعوا تجاوز السرعة للمركبات وتعاقبون عليها بغرامات مرورية . ولا تمنعوا وتعاقبوا من يتجاز امننا ومحبتنا وتعايشنا ؟

.لقد إستشرى الموت والحقد في البلاد الاسلامية قاطبة من افغانستان الى باكستان الى اليمن وتموضع الحقد والموت والقتل وجز الرقاب في سوريا والعراق بل واليمن واصبح جز الرقاب حديث الناس اليومي في بلاد الحكمة والأرق قلوباً وألين افئدةً

.

يجب ، نعم يجب وفورا ، منع الحديث  والاستعداء المذهبي العدائي التحريضي والذميم والمدمر،  منعه من ان ينطلق من اكثر الساحات محبة ووئام وأمان  ، وهي ساحات المساجد والجامعات والمنتديات . ويجب وقف ومنع الكتب العدائية ونشر ثقافة الفرز الطائفي والمذهبي بل والديني والرقابة على اي مقال او منهج او نشرة تدعو الى التفرقة المذهبية والحقد ، وتنبش في التاريخ بين الاوراق الصفراء و الكتب القديمة ، عن حوادث الشقاق وحروب داحس والغبراء .ليكن حديثنا محبة ووئام وتعايش وقبول بالأخر ، حتى لا نأسى بالحياة ويضيق بنا الوطن
. فلا تكن مرا ولا تجعل حياة الناس مرة .
لعمرك ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها .. ولكن أحوال الرجالِ تضييقٌ