fbpx
السلاطين والمشايخ الجدد يكذبون

كتب | عبدالسلام بن عاطف جابر

قرأت قبل أسابيع خبر عن لقاء “كبار” سلاطين ومشايخ الجنوب، وكما جرت العادة صدر عن اللقاء “بيان ناري شديد اللهجة”  أشد حرارةً من بيانات قيادات الحراك، وتساءلت ، أين اجتمعوا…؟ ومن هم …؟ فلو كانوا كباراً كما قال الخبر كانت الناس عرفت بهم وباجتماعهم , وغطَّت القنوات الفضائية أخبارهم كما يحدث مع مشايخ القبائل في باقي الدول العربية عندما يجتمعون بهذا الحجم الذي جاء في الخبر . . . لكنَّ ذلك لم يحدث , وبذلك يصبح لقب “كبار” بحاجة إلى مراجعة .

 

عموماً ، لا يهم من هم، وأين هم، المهم هو تأثيرهم على الوضع المزري في الشارع الجنوبي…؟

و تأثيرهم الذي أعنيه ليس الناتج عن إمكانياتهم الفردية، بل الناتج عن مكانتهم القبلية بوسمهم سلاطين ومشايخ  كبار كما وصفهم الخبر أو صغار لا يهم . . . وهذا النوع من التأثير يستلزم أولاً “وجود القبلية”  ، والقبلية ، عبارة عن فكر وثقافة غير مكتوبة تتناقلها أجيال القبائل , تُقيم الحق وتنصر المظلوم عندما تتفكك الدولة أو تضعف . . . ثانياً “وجود الرجال التي تنتمي للقبيلة وتؤمن بثقافتها”  . . . ثالثاً ، أنَّ القبيلة والشيخ مجرَّد عنوانان فقط  ، عنوانان لكتائب الأبطال من رجال القبائل , المصطفة , المنضبطة , المتراصة , والملتزمة بالقاعدة القبلية  [القبيلي ، خصَّام , غرَّام , قاتل , مقتول في الحق] .

فإذا لم تتوفر هذه السمات الثلاث فلا وجود لقبيلة ولا لشيخ ولا لقبائل , مهما كانت قوة وشجاعتهم كلاً بمفرده .

وعليه ، فمن يجتمع ويتحدث بمسمَّى مشايخ خلال سنوات مابعد الوحدة ,  هم أحد نوعين ،

النوع الأول ، هم قِلَّة قليلة من أحفاد وأبناء المشايخ السابقين طيَّب الله ثراهم وشرَّفهم في الآخرة كما شرَّفونا في الدنيا . وهؤلاء لم تنصِّبهم القبائل شيوخاً حسب العادات القبلية .  نصَّبهم بعض أفراد أسرتهم أو نصَّبوا أنفسهم بأنفسهم . . .  ورغم ركاكة مشروعيتهم إلَّا أنَّ أغلبهم يحاول بكل جهد إعادة دور القبيلة في خدمة وبناء المجتمع . لكنَّ من حولهم يعتقدون أنَّهم يحاولون إعادة مجدهم العائلي , وهم يعملون بكل جهد لإفشالهم , وقد نجحوا في ذلك .

 

والنوع الثاني ، هم قطيع من الذين يلعبون على القبيلة باسمها  ، البعض يسميهم “السلاطين والمشايخ الجدد”, وأسميهم أنا  “مشايخ أربعة سلندر” ، بعضهم متنطع على المشيخة ، يعتقد أنَّها سيارة وديوان وخمسة مليون دولار وفزلكة كلام . وهؤلاء فشلوا وأفشلوا معهم القبيلة , لكنَّهم في رأيي ليسوا الخطر القاتل . . . والبعض الآخر يعمل في خدمة سلطة صنعاء وحزب الإصلاح , ويشرف عليهم اللواء علي محسن , مهمتهم قطع الطريق على المشايخ الأصليين ومنعهم من تفعيل دور القبيلة في خدمة الناس وحمايتهم , وحل الخلافات بينهم . هدفهم حماية الوحدة عن طريق تدمير السلم الأهلي, بإشاعة الحروب القبلية واتساع رقعتها, وعندنا في يافع الكثير من هذا الصنف, ويحضون بدعم مالي سخي من بعض المغتربين الميسورين .

 

وهذا الوضع المزري للقبيلة والقبائل في الجنوب ليس وليد اللحظة , بل هو صنيعة السلطات المتعاقبة على الدولة الجنوبية ، فعندما عجزت بريطانيا عن تطويع القبائل بواسطة القتال ثمَّ المعاهدات اتجهت إلى تطبيق نظرية “فرِّق تسد” في عشرينيات القرن الماضي ، فزرعت الشقاق داخل أغلب بيوت السلاطين والمشايخ , حتى سفكوا دمائهم بأيديهم , وبعد أن أشغلتهم بأنفسهم اتجهت إلى القبائل نفسها  ففتحت باب الحروب القبلية ووسَّعت رقعتها , حتى وصلت في نهاية الوجود البريطاني إلى حروب من قبيلة إلى أخرى , ومن قرية إلى أخرى , ومن عائلة إلى عائلة .

 

وعندما جاء الحكم الشمولي في 1967 وقرَّر إنهاء القبيلة , اندفع الجميع  -شيخ ومشيّخ-  للقبول بالقرار وتنفيذه , فقد كان الطريق الأفضل لإنهاء الحروب القبلية . . . لكنَّ النظام الجديد لم يكن كما اعتقد الشعب الجنوبي ,  كان أسوء وأخطر عليهم ، فهدم كل القواعد الدينية والأخلاقية والقبلية ، وبذلك محى ثقافة المجتمع التي قام عليها منذ آلاف السنين , وأرسى ثقافة المزايدة , والشعارات الفارغة  , وعقلية اللجان والبيانات النارية التي لاتستحق قيمة الورق التي كتبت عليها , وهذه الثقافة هي السبب اليوم فيما نحن فيه من فشل .

ثمَّ جاء نظام الوحدة الاستعماري الذي كان أكثر خبثاً ودنائه ، فقد ضربنا على محورين إذكاء الفتن والحروب , وصنع لنا آلاف المشايخ ببطائق وأوراق رسمية . . . حتى أصبح سوق المشيخة شبيه بسوق البقر في مديرية القاعدة  –تعز-

 

وعليه يمكننا القول أنَّ السلطات الحاكمة الثلاث ضربت القبيلة عبر ثلاثة محاور قاتلة كالتالي ، نظام بريطانيا أنهك القبائل بالفتن ، ونظام الحزب أفسد القبائل ، ونظام صنعاء أفسد القبيلة والقبائل والمشايخ . . . وبالنسبة للمحور الأول “الفتن والحروب” فقد انتهى مع مرور الزمن , وختمناه بالتسامح والتصالح , وماهو قائم من الحروب القبلية يمكن احتوائها فهي لاترتقي إلى درجة الخطر القاتل كما حدث في أواخر العهد البريطاني . . . وبالنسبة للمحورين الآخرين فمازالت خطراً قاتلاً معطلاً لدور القبيلة من القيام بواجبها في مسيرة شعبنا نحو الحرية والاستقلال واستعادة الدولة , والتي بدونها لن يتحقق شيء مهما تفلسف المتفلسفون .

 

ومهما  يكن الوضع القبلي اليوم , فهو لا يعفي المشايخ الأصليين من تحمل جزء من المسئولية  فيما آل إليه وضع البلاد ، ومسئوليتهم تكمن في أمرين , الأول ،  تركهم للمتنطعين  “الأربعة سلندر” يلعبون بمقدرات الناس “باسم مشايخ” . . . والثاني ، مشاركة بعض المشايخ لهؤلاء في لقاءات وإصدار بيانات تافهة . . . ففي قناعتي الشخصية أنَّ من يقول أنَّ المشايخ  -والقبيلة بحالها هذا- اجتمعوا وقالوا وأصدروا بيانات فهو والمشايخ  يلعبون بعواطف الشعب الجنوبي ليس إلَّا , حالهم في ذلك حال سفهاء السياسة وسفهاء لجان علي محسن .

 

قد يغضب البعض من قسوة كلامي ، لكنَّه الحقيقة التي وصلت إليها بعد بحث طويل , وخلاصة محاولات إصلاح الشأن القبلي دامت عشر سنوات ونيف وأغلب المشايخ تعرف ذلك . . . دون تحقيق أي نجاح .

 

وقد يغضب السلاطين والمشايخ الذين اجتمعوا الاجتماع المذكور , ويتهموني بالاشتراكي  أوإصلاحي  أومؤتمري ,  وهذا غير صحيح بل هم يناصبوني العداء بسبب صراحتي . . . والحقيقة أنِّي أحد المعنيين بالأمر , كما قال المثل [من له شعره بظهر الجمل ركب عالسنام] , فأنا من الظبي  –يافع-  ذروة سنام القبيلة , الذين وصفهم المؤرخ المصري صلاح البكري منتصف القرن الماضي بأكثر سلطنات ومشيخات الجنوب حشداً لمقاتلي القبائل , كما أن للظبي من أسمهم نصيب فهو يعني في لغة العرب [رأس الحربة] . . . وكما قال جدي يرحمه الله (لوكان للسلطان بالقبائل ذراع لي ذراعين) , وهذا يكفي ليعطيني الحق في انتقادهم , بل والقسوة في النقد .

 

وحيث أن هذا المقال عن القبيلة  “وأنا في العادة لا أكتب عن القبيلة”  انتهز الفرصة لأوثق زامل لأحد أجدادي عن القبيلة وشروعها , وهو الشيخ عبدالرحمن بن علوي بن عاطف جابر قبل أن يُنسب لغيره كما جرت عادة من يكتبون تاريخ قبائل يافع . . . وكأنّه في الزامل يخاطب المشايخ الذين يصدرون البيانات النارية اليوم  قائلاً لهم “إنَّ المواقف القبيلة ليست بيانات استنكار وتهديد , بل هي مواقف مبنية على الأرض أعمدتها من جماجم الأبطال , ولا يُعيَّر من مات في سبيل الحق والشرف . يقول الزامل :

القبيــلة من شلَّهــا ما ملَّهـــا ,,,,, ركـَّـز دعائمهـــا بطيَّـار المشــوش

يا من يبي الجودة فهذا حِلَّها ,,,,, ماشي معورة من طلع فوق النعوش

 

ونختم مقالنا اليوم بقصة من أثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  , كالتالي ،  قال الناس للأمام علي كرم الله وجهه : لماذا لا يكون عهدك كما كان عهد أبوبكر وعمر , فقال لهم : كانت رعية أبوبكر وعمر أنا وأمثالي , أمَّا أنا فأنتم وأمثالكم رعيتي , رضي الله عنهم جميعاً وجمعنا بهم في جنات النعيم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ