fbpx
عن عاصفة صنعاء المركبة

 

لا نحتاج لمجهود كبير لتوضيح تمفصلات ما يجري في صنعاء وأزمتها العميقة التي تنذر بعاصفة لا تبقي ولا تذر .

الأمور واضحة جداً، حيث الأزمة في صنعاء هي أزمة مركبة هيكلية تاريخية ومذهبية بغطاء سياسي وحقوقي في آن واحد ، ومع ذلك فهناك إشارة تكشف بشكل كبير وبليغ وضعية الأزمة هذه وهي الإشارة التي تتجلى فيما آلت إليه الأحداث المتسارعة، ودخول مجلس الأمن الدولي على الخط .

ولعل المتابع لما يجري عن كثب، في اليمن الشمالي، يجد تفسخاً غير قليل وهبوط أسهم الثقة، وتوسع الفجوة يوماً بعد آخر بين القوى المتصارعة، التي تتدثر جميعها بجلباب السياسة والحقوق، فيما الحقيقة تكشف الصراع المذهبي الخطير التي تسير الى البلد .

فالطرف الذي يحتمي ويعول على تدخل الخارج، بات عارياً تماماً، وغير قادر على تقديم أي انفراج، وبالأخص الحكومة التي اغترت بالمبادرة الخليجية، وهي السبب في جعل نظام صنعاء يعيش حالة تخبط دائم، واقع بين فكي الانهيار- أي بين فشل ذريع في تقديم ما ينفع الناس، وبين المحاصصة الحزبية المقيتة التي تقتل أي انفراج ومحاولات تجنيب الجميع الوقوع في وادي سحيق .

والطرف الآخر الحوثيون الذين يقدمون انفسهم، كبديل قوي ميدانيا وسياسياً، ومتبنيين مطالب الناس، بينما لهم مشاريع سلطوية يسيرون الى تحقيقها بقوة، وبدعم المجتمع الدولي، الذي يحاول عزل ” الاخوان المسلمين ” انطلاقا من استراتيجية ” تجفيف منابع الارهاب ” باعتبار الاخوان والقاعدة اتجاه واحد .

يظهر من ذلك بجلاء، ان الصراع في صنعاء، هو صراع مذهبي، متستر بجلباب سياسي .

ولهذا لا يريد المتصارعين بقاء الصراع وانحصاره في اليمن الشمالي، بل يريدون نقله الى الجنوب.

 ومن هنا يأتي دور القاعدة وانتشارها في الجنوب، كخطوة استراتيجية لهم، ومن ثم محاولة تعزيز ذلك بنقل تظاهرات دعم الجرعة الى عدن تحت ما يسمى ” الاطفاف الوطني “، وهو في الحقيقة ” انبطاح وطني ” حقيقي .

ما حدث في المعلا من مجزرة لاصحاب  “الانبطاح الوطني ” ما هي إلا تأكيد لنوايا نقل الصراع وتعميمه على كل اليمن، شمالاً وجنوباً، ولو بالقوة العسكرية، وخاصة ان الحراك الجنوبي السلمي،  رفض مبكراً أي دعوات لتأييد او الاشتراك في العاصفة المذهبية القادمة من صنعاء، باعتبار الجنوب لديه خلاف سياسي وتأريخي بامتياز مع اليمن الشمالي، وليس مذهبي رغم اختلاف المذهب، إلا ان الصراع بين الجنوب والشمال لم يأخذ أي مدى في هذا الإتجاه .

ولذلك .. يجب النأي بالجنوب ومناطقه، عن صراع العاصفة الطائفية التي تسري في اليمن الشمالي، كالنار في الهشيم .

يجب ان يكون الجنوب مرجعية لتحقيق السلم، ومنطلقا لمزيد من المبادرات لإطفاء نار الصراع العاصف في اليمن الشمالي، ومبدأ الثورة الجنوبية السلمية التحررية، التي ارسى مداميكها الحراك الجنوبي لتعميم تجربته السلمية الى اصقاع الأرض .

رغم هذا كله، ورغم ان صنعاء لا تزال تتنكر للحراك الجنوبي وثورته، وترفض منحه حقه  التاريخي والسياسي والقانوني في العيش بظل دولة جنوبية سلمية ومسالمة مستقلة، إلا ان الحراك الجنوبي سيبقى تجربة فريدة وعلامة فارقة في التأريخ القديم والحديث بالنسبة للسلم وتحقيقه، حتى بعد تحقيق الهدف المنشود لشعب الجنوب المتمثل بتحرير واستقلال ارضه سلمياً، واستعادتها كاملة السيادة وبناء دولته الفيدرالية .