fbpx
عندما ترقص الثعالب أعراسها

بقلم : علي نعمان المصفري

هي حكمة هندية باللغة الأوردو تصور كيف السماء تمطر والشمس مشرقة.

كيف الثعالب ترقص ولماذا في العرس!؟.

أنها الصورة الهزلية للمشهد عامة في اليمن والجنوب لما آلت اليه الأوضاع في ظل معرفة القاصي والداني أسباب المحن والمتسببين فيها.

كأن الثعالب ترقص فعلا براحة تامة في صنعاء عرسها الخاص بها وما يحدث لا علاقة لها بتلك الأحداث.

الثعالب لازالت تضرب عمق الواقع بأنيابها ومخالبها وقدراتها التآمرية وتحصد كل ما يروم لها غير أن الضحايا بالملايين من الكادحين.

كل شيء تجمد وتسمر حتى جهود الراعيين الإقليميين والدوليين وما حصل فقط مسرحية أخرجت خصيصا لإيصال اليمن والجنوب الى هذا الوضع المأساوي كحالة يندر لها مثيل في بلدان حطت عندها الكوارث دونما تتحلحل وباقية مسرحا لرقص الثعالب في عرسها التراجيدي كأفغانستان والصومال واليوم العراق وسوريا وليبيا ومناطق عدة تحلو مكانا آمنا للثعالب..

الا في جنوب شبه الجزيرة العربية الثعالب فيها استثناء شذ عن القاعدة وأنتج قاعدة من نوع خاص وصلت حد الذبح وإشاعة الخوف والهلع في بيئة عمرها لم تكن حاضنة لهذه الأنواع من الجرائم بحق البشرية..

صنعاء ملجأ آمن للثعالب ويتمتعون بالصحة والسلاح والمال والأنفاق والمتاريس والمخافر جاهزة ومتوفرة والحجج والمبررات قائمة على أنهم يحمون حمى الوطن والشعب والتاريخ والجمهورية والوحدة والدين,  وهم من يذبحون الناس بكل شيء من الأمن والاستقرار وحتى الذبح بقطع الرأس والأسعار.

وكل شيء ضائع منهم وفي نفوسهم غير القتل والسلطة والمال والجاه.

مما يعني أن كل شيء تلاشى في عرس صنعاء وبعثرته رقصة الثعالب، ابتداءً من المبادرة الخليجية التي ذبحت ثورة الحراك الجنوبية السلمية وثورة التغيير الشبابية حتى مخرجات مؤتمر الحوار.

كل الثعالب حضرت ووقعت وانتهت من العرس الموفنبيكي لتنتهي عند سقوط عمران وبعض مناطق الجوف بيد الحوثي وتوالي عددي لبعض مناطق محافظات المحويت وحجة وذمار واليوم صنعاء وتنظم محافظات اليمن الأسفل لتمهد نفسها مسرحا لاعتلاء الرقص عليه.

ليظل الجنوب مسرحا لتنفيذ ما عجزوا عنه في صنعاء وتسويق الجرائم على نحو يعتقدون من خلاله كسب مكانة في أية محادثات تسوية قادمة تعويضا لخسائرها في محافظات اليمن الشمالية والغربية تلك التي الشمس غابت عنها بظلال الحوثي وهزائم الإصلاح وحلفائه., بعد ما الجنوب بمحاولاتهم تدعيشه بأنصار الشريعة ورديفها القاعدة.

أمريكا وحلفائها وسط وخلف ثعالب صنعاء يصدرون قرارات من مجلس الأمن الدولي ويرسلون طائرات الدرونز والمساعدات قائمة وبؤر الفساد جاهزة وبن عمر يزور وجعبته متخمة بتقارير الحالة. وخطة الدول الغربية مستمرة في أعادة صياغة وضع المنطقة عموما واليمن والجنوب ضمنها.

صنعاء لم تعد صنعاء ولا فيها ما يمكن يؤشر الى نظام أية نوع كان.

الكل على الزناد والثعالب مع الثعابين ترقص بأمان و(الشنطة) جاهزة لتفريخ الحراك وتجييش الثعالب للممكن تجييشه للجنوب وضد بعضهم البعض لكن الكل مجمعون على الجنوب مهما كان مبدأهم, حتى في محنتها تصر الثعالب على القبض بالثروة والسلطة والموقع في الجنوب وفق مصالحهم ومصالح حلفائهم في الأقليم المنقسم بين شيعي ووهابي؟.

لهذا في ظل تسارع الأحداث السياسية في صنعاء وما تمخضت عنه المبادرة الخليجية في مؤتمر الحوار الوطني وما ذهبت اليه الوثيقة في أقلمة الجمهورية اليمنية الى ستة أقاليم، بدأت الدوائر المتنفذة في صنعاء تجن جنونها وتعمل على عرقلة المخرجات بحسب اعتقادها أن الثروة والسلطة ستسحب منها وتخضع للأقاليم وعملت جاهدة على احتواء أية خطوات تقدم تحققه الوثيقة في تغيير مسار الأحداث في تفعيل جبهات التصادم المسلحة مع التمدد الحوثي وخصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين في صعدة وعمران والجوف بهدف أنهاء التواجد الحوثي وخطره عليهم لتنفرد الثعالب بالرقص في الجنوب واستمرارية داعش في الجنوب لمزيد من استفزاز وكسب المال , لتثبيت تواجد تحالف أمراء حرب 1994 والآن تسعى في بقية محافظات حجة والمحويت وذمار ومأرب.

تلك النزاعات المسلحة بين الحوثي وحزب الإصلاح وحلفائه خلصت الى تقهقر جماعات الإخوان المسلمين في حزب الإصلاح وحلفائهم في القوات المسلحة وأولاد الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر وتراجعهم من عقر دارهم في عمران الى صنعاء بعد أن تحالفت قبائل عمران حوثيا وحسم الموقف عسكريا في ظل وقوف الجيش التابع للرئاسة اليمنية صامتا.

سقوط عمران وما سبقته من أحداث في دماج صعدة أحدث خلل في الميزان العسكري الأمني وترتب عليه نشوء معادلة سياسية جديدة أستحوذ التمدد الحوثي على نصيب رئيس فيها جعلت مؤسسة الرئاسة والحكومة بفعل ضعف مكانتها العسكرية والإدارية معطلة على التحكم  بمجمل الأمور. مما جعل اللواء علي محسن الأحمر يهدد مع أولاد الأحمر وحزب الإصلاح بتسليم حضرموت للقاعدة مقابل سقوط عمران متهمين فيها تواطؤ مؤسسة الرئاسة على عدم زج الجيش في أحداث عمران علما أن الجيش الضعيف, الذي أساسا مقسم بولائه على ثلاث كتل:

الرئاسة والرئيس السابق وعلي محسن- والإصلاح.

ولهذا توالت أحداث القاعدة في الجنوب باحتلال القاعدة لأبين وأجزاء من شبوة في وقت سابق واليوم في القطن وسيئون كرد فعل من تلك القوى المتنفذة في صنعاء لتطويق الحراك السلمي الجنوبي و دور الرئيس المؤقت والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار وتغطية هزائمها مع الحوثي وتهديد المملكة العربية السعودية ودولتي الأمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ، وما أحداث الوديعة الا مقدمة لذلك.

أن درجة الوحشية التي استخدمت بها طريقة قتل الجنود بالذبح أنما تعد أبشع صور الجريمة في الجنوب وحضرموت تحديدا، وهي البيئة التي عمرها لم تكن حاضنة للإرهاب.

بل كانت بيئة سلام ومحبة ودليل ذلك نشر قيم الإسلام الحميدة في مشارق الأرض ومغاربها على يد حضارم من الجنوب العربي.

لا مؤسسة الرئاسة اليمنية ولا حكومة الوفاق قدروا على إصلاح ما أفسدته مرحلة ما بعد 1962 وحتى اللحظة في بناء الدولة والاستجابة لقضية الجنوب، لأن الوسط الذي تتحرك فيه لم يعد مؤثرا في أية نتائج إيجابية، يمكن أن تخلص لها عملية المصالحة بالطرق التي تبعتها صنعاء في المبادرة الخليجية ومخرجاتها. والمربوطة بذيل دستور معلق بمخلب القادم المجهول في نفق معادلة ما بعد سقوط عمران.

وما تلت ذلك من أحداث في محافظات صنعاء المدينة اليوم جعل ضبابية المشهد أكثر تعتيما وصعب رؤية الخصوم في المدينة ذاتها بما فيها الرئيس المؤقت, وبدل أن يذهب الى بناء الدولة يذهب الى القبائل والأفراد لحسم الموقف لصالح مشروعة الغير واضح مرادة وما حصل في لقاء يوم أمس الأول للرئيس المؤقت مع مشائخ وأعيان ريف صنعاء الا مؤشر واضح لفشل مؤسسة الرئاسة عن تقديم نفسها لحل القضايا الماثلة وأنه يتحدث في وسط مذهبي مشبع ضدة.

يمتزج هذا التوجه الرئاسي مع الاتجاه الأقليمي الدولي ويخرج الأمور من قاعدة الحلول الى الكشف عن سيناريو آخر يتشكل خلف كواليس السياسة لأعداد اليمن والجنوب نحو تطورات أشد دراماتيكية في غضون الأشهر القادمة بمعزل عن ما تم الكشف عنه في المبادرة وآليتها ومخرجاتها.

وهو نوع من المعجون الجديد المراد تجريبه على الجسد اليمني بما يجعله أكثر تجانسا على تفكيك عقد قدرة حروبات صنعاء من التلون وفق الصبغة الأحمرية واللون الإخواني المراد منه للخروج من هزائم دماج عمران وتلاشي دور الإصلاح جنوبيا مع ميليشيات القاعدة التابعة له والجنرال الأحمر خصوصا في ضوء نتائج الضربة الموجعة قطن –الصبيحي.

مع التذكير وأن حتى نجحت ولو لحين وساطة هادي يوم عيد الفطر المبارك لجمع الثعالب ورقصهم في جامع الصالح- الهادي لكن صدى حادثة جامع النهدين غائر في عمق الرئيس السابق وأعوانه لما مثلته من ليس فقط الإعلان عن انقلاب على القصر الجمهورية بذات الصبغة الأحمرية لكنه تم تداركه من قبل الحمران على أنه كان مقصودا به تدمير كامل لحقبة 33 سنة من تربع حاشد للمشهد عامة وهو الخط الأحمر الذي عنده يتوحد الحمران مهما كانت خلافاتهم وعبدربه حليف مبطن وفق خصوصية مصالح ذاتية تربطه بصنعاء في محيط ما بعد 13يناير 1986 باعتباره خدم مستضيفيه في ردم هوة عدم توافقهم على تعبئيه كرسي الحكم بواحد منهم. ذلك أن المذهب والعرف زيديا لا يسمح لمن خارجه على دخول هذه الدائرة المغلقة منذ 1300 سنة.

وأن اليوم صنعاء الزيدية تستجيب للمذهب بديل القبيلة التي تقدمت عن المذهب عمران حولت المعادلة ووفرت مرورا آمنا للحوثي الى صنعاء اليوم. كيف يكون الحسم بعد رفع الشعار الحوثي ورد الدول العشر الراعية ومؤسسة الرئاسة والإجابات التي اليوم الحوثي وضعها تعقيبا على التقدم الحوثي, كيف تتطور الأوضاع وعلى أي نحو بالمكياج الحوثي أو بالمتخبط الحمراني المهزوم ووسط التململ الدولي الأقليمي في سلحفاة رد فعلهم على الخطوات الحوثية السابقة أمر محير ومثير للغاية.

كيف يكون شكل الحكم بالأجندة الحوثية إجابة مفتوحة حتى الجمعة حسب الحوثي في حكومة ائتلافية أو حسم نهائي؟.

مؤشر الواقع يشير الى سقوط وشيك لصنعاء يقرأه المرء من خلال إشاعة انتقال عبدربه الى عدن وإعلانها عاصمة بهدف الحفاظ على ماء الوجهة واستكمال السيناريو الدولي الغير معلن وتطويق القضية الجنوبية عن أية ردود فعل تنقلها الى مسارات أهدافها والتفرغ ولو لتضييق الخناق عن الحوثي في عدم خروجه عن نطاق أقليم آزال وهو محال لأن الأجندة الحوثية كما يبدو تتسم بجغرافية مفتوحة؟.

لهذا يصبح لازما على من يريد حسم الموقف في صنعاء الالتزام بحدود سياسية لا تتعدى جغرافية البيئة السابقة المدمرة منذ 22 مايو 1990 حتى لا تتكرر هزيمتهم كما حدث لأسلافهم ويكتبون نهايتهم بأنفسهم.

وبمباركة تقاطع مصالح أقليمية ودولية ترى في ذلك متنفسا جديدا في استعادة عافيتها لاستمرارية سيطرتها على المنطقة والانفراد بها من التنافس الأقليمي الدولي الشرس والمحتدم حاليا في المنطقة.

ولأن الوضع برمته يهدد ليس فقط اليمن بل دول الجوار على دول الأقليم تأتي مهمة أحداث توازن في اصطفافها مع القوى الحية في اليمن والجنوب لتجفيف بؤر التوتر من قاعدة صنعاء وذلك بمنح شعب الجنوب المناخ الملائم لاستعادة هويته ودولته. وعلى الجنوبيين تأتي اليوم مسئولية غاية في الحساسية أن يقتنصوا فرصة صنعاء اليوم للتوحد بالكلمة والصوت والهدف تجاه قضيتهم العادلة وفرض ذاتهم في المعادلة لاسترداد حقوقهم المسلوبة. اليوم يكونوا او لا يكونوا.

لذا تكون دولة الجنوب حزام طبيعي للحفاظ على العمق الاستراتيجي للأمن القومي الخليجي ودولة ومحاصرة أية تغلغل الى الداخل الخليجي وتقويض فرص فرض كماشة داعش شمال وجنوب دول مجلس التعاون الخليجي. تفاديا لنشوء مخالب خلفية لداعش اليمن وقاعدته التي قد تمثل حقول ألغام موقوتة تنفجر حين الحاجة لها. مع التركيز على أن أزمة اليمن والجنوب يتسبب فيها طرفي الدوائر المتنفذة، أي أمراء حرب 1994  لما لأهمية استيعاب ذلك من مترتبات يمكن بتحجيمهم وإزالة خطرهم تستتب أمور دول الجوار وكذا طرفي المعادلة يمن وجنوب وإبقاء التمدد الحوثي على الحل السياسي بحصولهم على استحقاقاتهم، لتثبيت دولة في صنعاء اليمن تذهب الى تفعيل أهداف ثورة التغيير بمفوزمها الحقيقي لا كما تم تزييفه.

 أن أعادت الشقيقة الكبرى والدول الراعية تفهمهم في رؤية معالجة الوضع وإعادة تقييم مواقفهم السابقة انطلاقا من الأوضاع المستجدة والمتصاعدة, لأنه كما يبدو لازالت المملكة رغم تواجدها غائبة عن كثير من الحقائق بدليل تجاهلها للقضية الجنوبية وثورة التغيير، هذا التفهم بما يتطابق ورؤية الحراك الجنوبي لخصوصية وضع القضية الجنوبية ومبادئ ثورة التغيير، ومن هي القوى الحية الممكن التعامل معها لتطويق الأزمة برمتها حتى لا نفسح مجالا للثعالب من استمرارية عبثهم بالأوضاع كاملة ورقصهم في أعراسنا القادمة.

مع أن وضع صنعاء هذه الأيام قد يخلص الى تنظيف الوعاء السياسي عامة من كل بلاوي وعلل المراحل التدميرية السابقة بأنهاء قوة مراكز السيطرة والنفوذ. هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة؟.

كل هذه الاتجاهات نحو الحلول الممكنة لإخراج اليمن والجنوب من هذه المحنة تبقى ناقصة في ظل استمرارية التدخل الأقليمي والدولي المباشر , مالم يتم الاستجابة للإرادة السياسية الحقّة لشعبي اليمن والجنوب, وتركهم يقررون مستقبلهم بنفسهم دون أية مؤثرات خارجية بأصابع محلية؟.