fbpx
حروب صعدة والبحث عن كبش فداء

د عيدروس نصر ناصر

عنونت هذا الموضوع بحروب صعدة، والمقصود هنا كل الحروب التي تتصل بقضية صعدة من حروب مران وحيدان إلى حروب دماج وكتاف والصفراء وهمدان والخمري وحوث حتى حرب عمران الأخيرة وما قد يليها من تداعيات، باعتبارها ليست سوى حلقات في سلسلة واحدة هي حرب صعدة.

لا بد من الإقرار أولا أن الحروب حيثما انطلقت وكيفما ابتدأت لا تدل إلا على فشل السياسة وانتقال الصراع السياسي إلى حقل السلاح ولم تكن الحروب الداخلية قط إلا وسيلة قذرة لتحقيق مآرب لا يمكن إلا أن تكون أيضا قذرة مهما تحجج المشتركون فيها بالعناوين الفاقعة والقضايا النبيلة، وفي اليمن ليست الحروب مجرد تكريس لنزاعات واختلافات على مصالح بل إنها في كثير من الحالات استثمار متعدد الأغراض، وكشفت الأيام وربما ستكشف لنا الأيام القادمة أن كثيرا من الحروب اليمنية كان يمكن أن لا تقوم لولا التدابير المسبقة بما فيها من تخطيط منظم وتمويل وتموين من مراكز قوى نافذة ليس تسويق السلاح والاتجار به ونهب الموازنة العامة إلا جزءً من أهدافها غير المعلنة.

قال لي أحد الزملاء المثقفين اليمنيين متعجبا من الضجيج الكبير حول سقوط عمران بيد الحوثيين: لا أدري لماذا هذه الولولة على عمران؟ وأضاف: عمران لم تسقط كل ما في الأمر إنها انتقلت من سيطرة أحد أطراف الحوار الوطني إلى طرف آخر، وبما إن الطرفين شريكان في الحوار والتوقيع على مخرجاته فلا خلاف في من يسيطر على عمران أو على أي منطقة أخرى، ما دامت الدولة غير قادرة على بسط نفوذها على كل أرجاء اليمن، ثم متسائلا: أم إن عمران لن تكون وطنا ولن تكون جمهورية ولن تكون مع الثورة إلا إذا كان مسيطرا عليها الإصلاح بمشائخه وعسكرييه وسياسييه؟

من المؤسف أن الكثير من السياسيين اليمنيين لا يتعلمون من أخطائهم، ولا يأخذون العبر من هزائمهم التي هي هزائم لكل الوطن بما في ذلك من يعتقدون أنفسهم منتصرين، وهكذا نلاحظ أن أكثر المتشددين للحرب والمنادين بها والمحرضين عليها يتخلون عن دعواتهم بمجرد إثبات خطل ما اعتقدوه وفشل ما خططوا له، وبدلا من الإقرار بأساس الخطأ وسببه الرئيسي وهو اعتماد الحرب نفسها كوسيلة للصراع السياسي يذهبون للبحث عن مذنب آخر يحملونه فشلهم وخيباتهم المتواصلة.

أعود مرة أخرى للتأكيد أنه لا أحد سعيد بما جرى في عمران وما ترتب على ذلك من دمار مادي ونفسي وإزهاق للأرواح وإراقة للدماء أما مآلات الحرب فقد كان من المفترض توقعها بعد أن أثبتت كل حروب صعدة وكل الحروب اليمنية المتناسلة أن الحرب لا تثمر إلا الوبال والدمار.

يبدو أن ذريعة اتهام أحزاب اللقاء المشترك وعلى الخصوص الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري بأنهما وراء هزيمة التحالف القبلي العسكري في عمران لم تعد تجدي، لأنها تخالف المنطق وغير قابلة للتصديق و لذلك سمعنا أبواق دعاة الحرب الخائبين تبحث عن كبش فداء آخر تحمله سبب فشلها وهزيمتها المنكرة، واستقر أمرهم هذه المرة على اتهام وزير الدفاع ورئيس الجمهورية الذين لم يكونا طرفا في النزاع ولم يأخذ أحد برأيهما عند شن الحرب بل ربما طالبا أكثر من مرة بوقف الحرب وكانت اللجان الرئاسية دليلا على عدم موافقة رئيس الجمهورية على الحرب، لكن رئيس الجمهورية في ظروف اليمن اليوم هو آخر من يؤخذ برأيه في قضايا الحرب والسلام، وهناك من يتعامل مع الرئيس الجنوبي على إنه مجرد موظف جاء ليبرر لهم استمرار التحكم في مصير اليمن، وأن وزير دفاعه ليس سوى مسئول للشئون الإدارية لوزارة الدفاع بينما تظل قضايا الحرب وتوقفها بيد قوى أخرى، معلنة وغير معلنة.

يقول الخبراء العسكريون أن اللواء 310 الذي هزم في عمران ليس مجرد لواء عادي بل إنه جيش مستقل بكامل عتاده، وعندما جرى حل الفرقة الأولى مدرع فقد حصل اللواء على نصيب الأسد من عتادها ومؤنها وموجوداتها العينية والمادية وقواها البشرية، وما استحوذ عليه الحوثيون من عتاد وأسلحة وبطاريات وصواريخ ودبابات ومدرعات وناقلات جنود مما كان لدى اللواء ليس سوى أقل القليل مما يتمتع به اللواء من قدرات عسكرية فنية وبشرية، وبالتالي فإن هزيمة جيش يتمتع بهذه القدرات يعني أن أي دعم كان يمكن أن يقدم له لن يضيف إليه كثيرا فوق ما لديه، (ولو نزل رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بنفسيهما للقتال ضد الحوثيين)، وأن سبب الهزيمة ليس تقصير وزير الدفاع أو رئيس الجمهورية بل أن هناك أسبابا أخرى (بضم الألف) على المعنيين البحث فيها وليس التخلص من المشكلة بمجرد تعليق الأمر على رئيس الجمهورية ووزير دفاعه.

الهجوم على رئيس الجمهورية ووزير الدفاع يخفي وراءه أغراضا أخرى ليس لها علاقة بحرب عمران ومآلاتها، إنه محاولة لإخفاء ما يريده الرافضون لنتائج مؤتمر الحوار الوطني التي شعروا بأن تطبيقها سيقلم أظافرهم ويجردهم من الأنياب والمخالب التي يسيطرون بها على سير الأحداث في اليمن وصناعة نتائجها.

من غرائب الأمور أن تأتي الهجمة المتصاعدة والشرسة على الرئيس هادي وعلى وزير الدفاع متزامنة مع دعوة نفس الطرف الذي يتبناها إلى إعادة تحالفه مع الرئيس المخلوع وحزبه، ووصل الأمر بالبعض إلى الاعتذار عن “خطيئة” العام 2011م وهو ما يعني أن الدماء التي سكبت في ميادين الاعتصام والأرواح التي أزهقت في ساحات الحرية على يد قوات الرئيس المخلوع ليس لها أي وزن في معيار هؤلاء وإنهم إنما كانوا يتداعبون بهذه الأرواح وتلك الدماء، وإن حديثهم عن الشروع نحو بناء يمن جديد ودولة جديدة لم يكن سوى حملة دعائية كاذبة لم يعد لها مكانا في قاموسهم اليوم.

من الواضح أن الحملة على الرئيس هادي ومناصريه ليست بسبب حرب عمران ونتائجها بل لأن مراكز القوى التي اعتادت أن تصنع الرؤساء وتتحكم في اتخاذهم للقرار لم تعد قابلة أن تتحمل عدم الانصياع الذي أبداه هادي ووزير الدفاع (وبتعبير أدق عدم الانصياع الكلي) تجاه أوامر ومتطلبات وشروط هذه القوى، إنها تريد رئيسا موظفا هي تأمره فيقول لها مرحبا، وحينما يكون له رأي في ما عليه أن يفعل يذكرونه بالقول: لا تنس أننا نحن من جاء بك إلى سدة الرئاسة، وهم لا يترددون في خلق مختلف العراقيل والمبررات التي تفشل كل مسعى يبذله الرئيس وحتى الحكومة التي يسيطرون عليها، إفشال أي مسعى لخلق حالة من الاستقرار والسير خطوات ولو بطيئة إلى الأمام.

على المهزومين والمنتصرين معا في حرب عمران وفي كل الحروب السابقة، أن يتعلموا أن الوطن ليس كعكة يتضاربون على من يأخذ النصيب الأكبر منها، وإن الهزيمة والانتصار ليست معيارا للوطنية والحضور السياسي، فبقدر ما ينبغي على المهزوم أن يراجع حساباته وأن يقر أن هزيمته لم تكن لأن الآخرين خذلوه أو لأن العالم يتآمر عليه، كما إن على المنتصر أن يعلم أن نصره ليس لأن الله دائما معه أو أن الشعب يحبه لكنها قد تكون مساوئ الآخرين هي من مكنه من النصر (الكاذب) لأن الشعب اليمني لا يبحث عن شجعان يجيدون القتل والتفجيرات والتدمير بل يريد حكاما يقيمون العدل والحق وينهون المظالم المزمنة والتخلف المستفحل والفساد المستشري والخوف والرعب والإرهاب المكرس من قبل بعض مراكز القوى التي تدعي محاربته، في العلن وتدعمه في السر.

أغرب غرائب حرب عمران (المدينة التي لا تزيد مساحتها عن عشرين كليو متر مربع) أن انتقالها من أيدي المشائخ والعسكر الخارجين عن طاعة الدولة إلى يد الحوثيين الذين تواجهوا مع الدولة على مدى عشر سنوات، أغرب ما فيها أنها جعلت المولولين يختزلون الوطن والجمهورية والثورة في هذه المدينة، بينما سقطت محافظات جنوبية كاملة مساحتها عشرات الآلاف من الكيلو مترات المربعة بيد أنصار الشريعة (وقبلها سقطت محافظة صعدة نفسها بأيدي الحوثيين) ولم نسمع لهم كلمة عتاب أو أسف على الأرواح وهي تزهق والدماء وهي تسيل والأموال والمنشآت وهي تسلب وتنهب، ناهيك عن الجمهورية والثورة والوطن، بل لقد راح بعضهم يعاتب الذين يحاربون (أنصار الشريعة) معتبرين الحرب على الإرهاب إنهاك للموازنة العامة، أما وهم يرون القتل الذي تشهده محافظة الضالع ومحافظات أخرى على يد قوات الجيش أو على أيدي الجماعات الإرهابية التي يطالبون الرئيس بالرفق بها، فإن كل هذا لا يهز لهم شعرة ولا يهدد الوطن ولا الجمهورية ولا الثورة في شيء ناهيك عن أرواح المواطنين وأملاكهم ومستقبل أطفالهم  الذي لا مكانة له في قواميس هؤلاء.

برقية شعرية من قصيدة “في وداع رمضان” للشاعر مؤيد حجازي:

يا خير من  نزلَ  النــــــفوسَ  أراحلٌ       بالأمسِ  جئتَ  فكيفَ  كيفَ  سترحلُ

بكتِ  القـــلوبُ  على  وداعك  حرقةً        كيف  العـــــــيونُ إذا رحلتَ  ستفعلُ

من  للــــــــقلوبِ  يضمها في  حزنها        من  للنــــــــــفوس  لجرحها  سيعلّلُ

ما بال  شهر الصومِ  يمضي  مسرعاً       وشهورُ باقي  العام  كم  تتمــــــــهّلُ