fbpx
ذكرى 3 اعوام في الشرق الأوسط … بقلم : روزماري ديفيس
شارك الخبر

عندما وصلتُ إلى دبي لتولّي منصب الناطقة بإسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، اعتبر سلفي في المهمة أنني فعلاً محظوظة. فقد جئتُ إلى العمل في وقت نما فيه تفاؤل كبير في المنطقة مع التعبئة التي شملت أناساً كثيرين فأسمعوا صوتهم وأطاحوا ديكتاتورياتٍ عدة الواحدة تلو الأخرى.

وفيما أمضى الناطق السابق 3 أعوامٍ في المنصب وهو يوضح أهمية التدخل العسكري في كلّ من العراق وأفغانستان، كانت لي الفرصة أن أتحدّث عن مدى جرأة عالمٍ جديدٍ في الشرق الأوسط. وبالفعل بالنسبة إلى شخص مثلي أمضى نحو 20 عاماً في متابعة قضايا المنطقة، شعرتُ بأن التجربة قد تكون بداية جديدة.

اليوم، وفيما أتهيّأ للمغادرة، تبدو الصورة مختلفةً بعض الشيء. فسوريا تجتاحها حرب لا يمكن لأحدٍ أن يربحها أو حتى أن يوقفها. وفيما يواصل كلٌّ من نظام بشّار الأسد والجماعات المتطرفة اتّباع أجنداتٍ خاصّة بكل طرف محاولين ما أمكن أن تكون لهم اليد الطولى في النهاية، يبقى الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن سواءٌ مَن تهجّر من أبنائه ويعيش الآن في مخيمات أو الذين ما زالوا محاصرين وسط المعارك يموتون بهجماتٍ ببراميل متفجّرة أو بأسلحة كيميائية أو يعانون التعذيب والإرهاب.

في العراق، استغل تنظيم “داعش” حال عدم الرضا والحرمان التي شعر بها عدد من العراقيّين وكذلك غياب حكومة جامعة وممثّلة لجميع الأطراف. هذا الوضع يحتاج تغييراً ملحّاً من خلال إقامة حكومة تعمل على توحيد الشعب العراقي على امتداد البلاد بدلاً من حكومة تعمل على تقسيمهم.

في مصر، 3 أعوام من الاضطرابات شهدت وصول 4 رؤساء و6 حكومات ووضع دستورين جديدين. لكن التحديات الأمنية والاقتصادية الكبرى ما زالت قائمة وكذلك الإجراءات القمعية الحادة لحرية المشاركة والتعبير. في المقابل، نشهد اليوم أزمة جديدة في غزّة تجلب مزيداً الألم والعذاب لأهل القطاع وتجعل إمكانية إيجاد حل للمسألة الفلسطينية صعبة جدا. وقد قال الوزير وليَم هيغ منذ انطلاق “الربيع العربي” أن مرحلة الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لا يمكن أن تحصل بين ليلة وضحاها وستكون تحدياً طويل الأمد. ونعرف جميعنا أنه لن يكون ناعماً أو سلسا. لكن أحداً ربما لم يتوقّع أن يكون بهذه القساوة.

الوضع لم يكن طبعاً سلبياً بالكامل فقد تحققت انجازات مهمة في أنحاء عدة من المنطقة. ففي تونس، تمّ تحقيق تطوّر مثير للإعجاب بما في ذلك تبنّي دستور ديمقراطي جديد. وفي ليبيا توافرت للشعب الليبي بعد عقود طويلة عانى خلالها قمع معمّر القذافي فرصة لممارسة حقّه في انتخاب برلمان ديمقراطي. وعلى رغم ذلك ما زالت هناك تحدّيات تعرقل انتقالاً سياسياً لليبيا نحو مستقبل مستقرّ وآمن ومزدهر.

وبالتطلّع إلى الأمام، فإن الجدل سيظلّ قائماً حول ما إذا كان الشرق الأوسط جاهزاً للديمقراطية وأي نوعٍ من الديمقراطية، وكيف يمكن التوصل إليها بما يضمن الاستقرار؟ لكن الحاصل يبقى أن الناس على امتداد المنطقة انتفضوا لأنهم أرادوا التغيير وحياةً أفضل لهم ولأبنائهم. هم يريدون مزيداً من التعبير والحقوق والفرص الاقتصادية. وما لم تستجب حكومات المنطقة لتوقعات شعوبها أو حتى تحصل الاستجابة فإن استقراراً طويل الأمد لن يكون ممكناً تحقيقه.

من هنا ما هو الدور الذي ينتظر المملكة المتّحدة؟ الشرق الأوسط مهمّ جداً بالنسبة إلينا ليس فقط بسبب التاريخ المشترك الطويل والمعقّد، بل لأننا اليوم نتشارك اهتمامات شعوب المنطقة وحكوماتها، ولا سيما منها على سبيل الذكر لا الحصر الأمن ومواجهة الإرهاب والتجارة والاستثمارات والروابط الثقافية. لا نملك عصا سحرية لحلّ مشكلات المنطقة وقد تعلّمنا من العراق وأفغانستان أن العمل العسكري وحده لا يمكنه حلّ قضايا سياسية متجذّرة.

هذا يتطلّب قياداتٍ ورؤيةً من المنطقة نفسها تحظى بدعمٍ فاعل من المجتمع الدولي. فالمملكة المتّحدة التي اضطلعت بدور رائد في التجاوب العالمي في “الربيع العربي،” ستواصل دعم شعوب الشرق الأوسط في سعيها نحو مستقبل أفضل وستستمر في مساعدة الحكومات وتشجعّها على التجاوب. إن مستقبل المنطقة نفسها يعتمد على هذا المنحى.

* المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العربية نت

أخبار ذات صله