fbpx
اليمن بثلاث دول هو الحل !!

مرجعية الارض هي محور الصراعات الظاهرة والخفية في اليمن

د. فضل الربيعي  

يمر اليمن اليوم في منعطف خطير جدا  قادم على صراعات وحروب كما تبدوا ملامحها في الواقع مرسوم لها من قبل القوى المستبدة  في الداخل والخارج ، وهذا الوضع هو حصيلة لما خلفته النظم الاستبدادية والثقافة الاستقوائية ومصادرة حقوق الاخرين والفساد المستمر للسلطات طوال المراحل السابقة التي انتجت ثقافة الاستبدادية  والغلبة الجهوية والولاءات الفردية ، والنهب المنظم للثروات وفي مقدمتها تلك ثقافة الاستبداد والاستعمار الهمجي الذي عمد إلى القاء كل ما يتصل بالجنوب من تاريخ وإنسان وثروة  ، وعدم الاعتراف بالحق الشرعي لشعب عاش آلاف السنين كدولة  ذات سيادة مستقلة وعبر ما سمي بالوحدة حاول الشمال التهام الجنوب وتشريد اهلة والتحكم بثروته ، وعدم الاعتراف بهذا الحق  ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ”  مقابل حق شعب ودولة ” الجمهورية العربية اليمنية ” وقد تجسد هذا الالغاء على صعيد الواقع  والفكرة فعلى صعيد الواقع تم الضرب الممنهج للجنوب منذ حرب 1994م، كشعب ودولة ، وعلى صعيد الفكر تم انكار هذا الحق بالحديث عن اليمن الواحد ووحدة الواحد ،  وتم اخفاء صوت الحق القائم على اساس الشعبين والدولتين ، واختفت الوحدة من الواقع  وبقي الحديث عن الوحدة  المجردة والمراد منها اخفاء مطامع وتصرفات اشخاص وفئات ليس إلا .  ولم يتم الاعتراف بان هذا الحق وهذه الخصوصية التي انطلقت منها فكرة ومشروع الوحدة تعود إلى الشعبين والدولتين التي تكونت عبر الالف السنين .

ان هذه الثقافة التي سوف توصل اليمن شماله وجنوبه الى زمن مظلم مخيف أكثر مما  نعيشه اليوم  هي قائمة  على منهج الاستقوأ  وعدم  التفهم للخصائص الرئيسية لليمن بعامة  الذي يتصف بالتنوع  في انتماءاته المجزؤة والمتجذر في التنظيم الاجتماعي وفي السلوك الاجتماعي ، والتي تشكلت عبر مراحل التاريخ الطويل ، فانتشار السكان على رقعة الارض ” المكان” هي التي كونت التجمعات البشرية والتنظيمات الاجتماعية بدءا بما عرف بالشعوب والقبائل ومن ثم الدول ، هذه التكوينات قد حملت سمات التنوع المكاني واتصف كل مكان  بسمته الخاصة في نمط العيش والثقافة والتنظيم الاجتماعي ، وقد لعبت المرجعيات المكانية هذه دوراً أساسياً في تفاعل الانسان عبر التاريخ الاجتماعي من الماضي التقليدي إلى الحاضر السياسي والتي تتخذ فيها المرجعيات طابعاً تقليداً متأثراً بمرجعية الارض اولا والتي تتصف بأنها شديدة التعقيد والتنوع الجغرافي في اليمن  .

أن الناس في اليمن القديم قد توزعوا بين مجموعات سكانية أو شعوب متجاورة أو مجتمعات محلية مستقرة لها طابع الحكومات والدول المستقلة والإقليمية التي تمثلت سياسياً في مجموعة اتحادات شكلت دول بذاتها  مثل ” سبأ ، معين ، حضرموت، حمير، قتبان ” وكانت الحياة مزدهرة فيها . والمفارقة العجيبة هي ان اليمن في عهد هذه الدويلات عُرف بأنه كان  بلد اشعاع للحضارة بينما يعيش اليوم في تخلف مريب .

 ولم تستطع الدولة الحديثة في اليمن أن تعمل على خلق نموذجاً للوطن المزدهر والمواطنة الواحدة التي تذوب فيها ثقافات الغلبة والاستقواء والإقصاء للأخر رغم ما زُعم من تحول نحو بناء الدولة وتلك المظاهر الشكلية لها ؛ إلا ان تأثير المكان بقي عاملا حاسما في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمرتبط بالتجمعات القبيلة والعشائرية والجهوية التي استقرت بشكل الدولتان في الشمال والجنوب .

لذا يمكن القول ان اليمن هو بانو راما حقيقية  متأثر بالمرجعية الام وهي الأرض، والتي تعد الحاكمة المرجعية اُستند عليها التكوين الاجتماعي والثقافي ، وجاء التمييز تبعاً للأرض ، فدولة الجنوب كانت تستند على مرجعية الأرض ولهذا فالمطالبة باستعادة الدولة هو استعادة لهوية السكان المنتمي الى هذه الارض والتي قامت عليها الدولة وتشكل فيها المجتمع عبر الالف السنين ، فمرجعية الارض أو عبقرية المكان كما يقول علماء الاجتماع هي التي تولدت عليها المرجعيات السياسية والثقافية ، ليس في اليمن فحسب ، بل في كل المعمورة .

 وبناءً على ذلك تنتفي هنا تلك المفاهيم الصماء  مفاهيم واحديه الثورة وواحدية التاريخ وواحدية الارض ، فهذه شعارات استهلاكية فقط تخفي ورائها طبيعة الاستبداد السياسي .

ان أهمية أي جماعة قطريه تأتي من أهمية الارض التي تشغلها وتكونت عليها النظم الاجتماعية . فمازالت الهوية الحقيقة إلى اليوم هي من أين أنت وليس من تكون بشخصك ، اذ كان المكان وما زال  هو محور الصراعات الظاهرة والخفية في اليمن عموما .

 فاليمن في هذا المعنى تنقسم الى ثلاثة مرجعيات اسياسية هي :

  1.    الشمال الجبلي ” اليمن الاعلى ” المنطقة الزيدية .
  2.    الوسط الهضبي والسهلي (اليمن الاسفل).
  3.     جنوب ساحلي وصحراوي. ” دولة الجنوب”

وقد افرز اليمن الاعلى “الشمال الجبلي ” مرجعية قبلية تقليدية ثابتة تحكمها العلاقات المكانية القرابية المتجذرة في شكل الحكم القائم حتى اليوم . أما اليمن الاسفل ” الوسط الهضبي والسهلي ”  أفرز مرجعية قروية أقل تقليدية وهي أكثر حركة ، تسودها العلاقات الاجتماعية المكانية. وقد ظهرت الدولة في الشمال الجبلي الاعلى والوسط الهضبي والسهل  عرفت باسم “الجمهورية العربية اليمنية “

بينما الجنوب الذي انفتح على العالم الخارجي من وقت طويل اكان عبر الهجرات او بسبب الاستعمار البريطاني  افرز مرجعية تجارية حيث مثلت عدن وحضرموت المكان الرئيس لهذه المرجعية ، وهي مرجعية تحررت من الروابط التقليدية التي تتحكم بها العلاقات القرابية والقبلية وتحكمها العلاقات العقلانية التعاقدية .

وظهرت الدولة في الجنوب الساحلي والصحراوي بعد رحيل الاستعمار البريطاني والتي عرفت باسم ” جمهوية اليمن الجنوبية الشعبية “.

حتى دخلتى في وحدة غير مدروسة عام 1990م مع الجمهورية العربية اليمنية ، فشلت في الواقع وهي احد تجليات الصراع الدائر في اليمن اليوم.

ورغم كل التحولات التي شهدتها الدولة الحديثة في الشمال والجنوب سابقا أو بعد اعلان دولة الوحدة لم تستطيع ان تحدث تحول حقيقي لمصلحة جميع اليمنيين ، بل بقي الوضع كما هو يحمل في طياته ملامح هذا التقسيم الاجتماعي والسياسي القديم حيث غلب الطابع العسكري على الشمال والشمال الشرقي ، وفي الوسط ساد الوضع الطابع القروي التجاري ، وفي الجنوب الطابع القريب إلى المدنية .

وبذلك تصنف الارض اليمنية إلى ثلاثة اقسام اساسية تحددها المرجعيات المكانية وأنماط العيش والشخصية ، ونرى ان هذا المدخل يعد المدخل الحقيقي لمعرفة حالات التشتت والصراع الدائم والدائر في اليمن والذي أضعف الانتماء الحقيقي للوطن لواحد اكان في الماضي أوالحاضر ، وقد انعكس ذلك سلباً على مستقبل الأمة ؛ بل كان ومازال سبباً في إعادة انتاج الحروب وغياب التنمية ، فظهور الحوثيين وقضية الجنوب وما تجري من حروب في دماج  وفي الجنوب إلا تأكيدا على ذلك .

لذا فإن المشكلة لا تكمن في عدم التفهم لهذه الحقائق فحسب ؛ بل في محاولة انكارها نظريا وممارستها واقعياً والابتعاد عن دراستها بعمق بوصفها محدداً رئيسياً لأنماط السلوك والفعل الاجتماعي والبناء الاجتماعي والصراع السياسي.

يمكن القول إن هذا التشكيل هو المحدد الرئيس للطابع الخفي للهوية بصيغتها الرئيسية ، وإذا ما تم الاعتراف بهذا الواقع سوف نتجه من خلاله  نحو معالجة شاملة وحقيقية للازمات السياسية وهي الضمان الاكيد لأنها حالات الالغاء والتهميش والاعتراف بهذه الكيانات .

فدولة الوحدة – المغدور بها  1990-2013 م – لم تستطيع أن تخلق قيم ثقافية وحدوية وطنية بل على العكس من ذلك ربما ساعدت على عودة عجلة التاريخ خطوات الى الوراء  وساءت الاوضاع اكثر  مما كانت عليه قبل عام 1990م ، وقبل قيام الدولة الحديثة في اليمن 1962م؟؟   

 قامت الحرب على الجنوب 1994م ومازلت حتى اليوم قائمة وظهر الانقسام النفسي والاجتماعي بين الشمال والجنوب، وصراع في الشمال نفسه ممثل في حروب صعده واستمرارها اليوم في اكثر من مكان  . وهذه الصراعات تستند الى الاستحقاقات المرجعية المذكورة اعلاه .

 ان الازمة الخانقة الحالية التي يعيشها اليمن ما هي إلا دليل على ذلك الانقسام الذي بقي المرجعية الوحيدة التي يدافع عنها الناس حيث لم يلحظوا انتاج مرجعية الدولة الواحدة الذي يحس الجميع بها  وتحفظ كرامتهم ، رغم ما يقال عن التطور الذي جرى في الحياة المادية وظهور اشكالاً من المؤسسات المدنية ، إلا ان علاقات الافراد مع بعضهم مازالت تحكمها القيم التقليدية المبنية على محددات القبيلة أو العلاقات  المناطقية  والقروية والمكانية والجوية. التي لم تستطع هذه التحولات اختراق بنيتها المرجعية حيث مازالت مراكز القوى التقليدية هي الوحدة الاجتماعية الفاعلة في المجتمع . فتسمية شيخ مشائخ اليمن هي محاولة لاحتواء الدولة بالقبيلة وتقوم المرجعيات القبلية والمذهبية والمناطقية باحتوائها مهام الدولة في  احياناً كثيرة كما تحاول استعادة دورها والحفاظ علية من خلال المؤسسات  الحزبية والمدنية كما تظهر ابسط تجلياتها اليوم في مجال الاعلام والقنوات الفضائية فذلك خير دليل  مثل قناة سهيل والمسيرة وأزال و السعيدة واليمن اليوم .

  يمكن القول ان التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الوسط اليمني لم تستطيع ان تغير شي على ارض الواقع ، رغم اتساعها لكنها تبقى دون تأثير لأسباب وعوامل مرجعية وجغرافية وحضارية وتاريخية ، كما ان  الثقل الديمغرافي لليمن الاسفل بقي محتكراً من قبل المرجعيات التقليدية في اليمن الاعلى ولعل ما جرى في عام 2011م والمتمثل في اجهاض ثورة التغيير هو خير شاهدا على ذلك .

وفي الجنوب عمل نظام صنعاء ويعمل على احياء القيم القبلية في الجنوب التي كان قد تجاوزها الانفتاح الذي حصل في الجنوب ، اذ حاول نظام صنعاء ان يشتت الجنوب كما يتم في اليمن الاسفل ، إلا انه لم يفلح في ذلك ، وقد كان بطش النظام وممارسة المظالم على الجنوب هي من استيقظت اللحمة الوطنية الجنوبية التي تبحث عن حامل جديد لها يعيد قوتها المدنية  ويحقق  الكرامة لأبناء الجنوب  .

ان قضية الجنوب اصبحت من أهم القضايا الرئيسية اليوم وعندما نقر بان للجنوب قضية لابد ان نعرف ان قضية الجنوب هي مع الشمال وليس مع موزنبيق!  .

ان الاقرار بان اليمن كان يعيش حالة من الازدهار في ظل كانت مجتمعات اخرى في ظلام  فظهرت فيه حضارات مزدهرة مثل : حمير ، قتبان ،وسبا ،وحضرموت ومعين ،.اليس ذلك دليل واضح على طبيعة اليمن التي تمتاز بالتنوع الحضاري والثقافي والمناخي وهي دليل ايضاً على سمت هذا التكوين الذي يستند على مرجعية الارض ، ولماذا لا نقر بهذا التنوع  الطبيعي الم يكن عامل جديد للاستقرار والازدهار .

اليس التوحيد في ظل ثقافة الإستقوا هو السبب الرئيس لتخلف اليمن دعونا نجرب إعادة تلك التجربة  التي ازدهر في ظلها اليمن بشكل واقعي . ودعونا نجرّب ما نخاف منه عسى يكون خيراً لنا جميعاً .

اليوم هناك موقف جامع في الجنوب على رفض الوحدة لماذا ننكره ، اليس  هذا حق لهم ؟ ام عليهم الاقرار  بالوحدة او الموت ؟؟

ان وحدة اليمن الاعلى مع الاسفل لم ينتج عنها وحدة حقيقية في الشمال ، كما ان وحدة الشمال مع الجنوب هي الاخرى قد فشلت ولم تنجح  وهي جوهر الازمة الراهنة اليوم .

ان تسويق مشروع الاقاليم بدون تحديد واضح لطبيعة هذه الاقاليم وإطراف الدولة الاتحادية التي ممكن ان تعود الى الاصل .

وعليه  ان الاقرار الواقعي في رأي ان تقسم اليمن إلى ثلاث دول لها مقوماتها الكاملة ممكن  ،  ودعونا نفكر بهذا المنطق الذي كما اتصور صعوبة قبوله من قبل البعض لأسباب كثيرة نعرفها  جميعاً  ليس كما قد يظهرها هؤلاء .

لماذا لم نعيش الوحدة التي نأمل فيها العزة والكرامة للجميع  في اطار ثلاث دول في اليمن افضل من ان  نعيش تجزئة  وحروب في اطار وحدة  لا اساس لها في النفوس وفي الواقع ؟

ان الوحدة الحقيقية  هي الاعتراف بحقوق الاخرين باستحقاقاتهم الحضارية والتاريخية والمذهبية ، الاعتراف بثقافات التنوع هذا  والاعتراف المتبادل هو الضمان الاكيد لقبول الكل ، ان قبول الاخر لا يتم في الوحدة الزائفة هذه ؛ بل قائم على اليمن المتنوع  طبيعياً وحضارياً وثقافياً إلى ثلاثة دول تجمعها خصائص مميزة ممكن تشكل دوال حديثة مزدهرة متنافسة ومتعاونة ومتعاضدة في المنطقة ، هي : دولة في الشمال تشمل اقليم الزيدية . ودولة في الوسط تشمل اقليم الشافعية في الشمال . ودولة في الجنوب بحدود الدولة الجنوبية عام 1990م . ان وجود ثلاثة دول بهذا الشكل سوف تقوم على خصائص تساعد على الازدهار الداخلي التنافس والتكامل فيما بينها  تحت أي تسمية لشكل الوحدة هذه . فما يجري في عمران اليوم  يشير الى هذا التقسيم  وعليه فان هذا الحل هو استباق لحروب قادمة قد  توصل إلى ذلك ومن الافضل ان يتم الاتفاق بدون حروب .